عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٦
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا).
قال سفيان: هاذا مما نعد أن ابن عباس سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
طابقته للترجمة من حيث أن ملاقاتهم الله بالوصف المذكور يكون يوم الحشر.
وعلي هو ابن المديني، وسفيان هو بن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
والحديث أخرجه مسلم في صفة القيامة عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه النسائي في الجنائز عن قتيبة.
قوله: (ملاقو الله) أصله: ملاقون، فلما أضيف إلى لفظة: الله، سقطت النون. قوله: (حفاة)، بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي: بلا نعل ولا خف ولا شيء يستر أرجلهم، والعراة بضم العين جمع عار، والغرل بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف يعني: الذي لم يختن، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا أول مرة ويعادون كما كانوا في الابتداء لا يفقد شيء منهم حتى الغرلة وهو ما يقطعه الختان من ذكر الصبي. قوله: (هذا) أي: هذا الحديث من مشاهير مسموعات ابن عباس.
6256 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (إنكم محشورون حفاة عراة * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * (الأنبياء: 401) الآية... وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب! أصيحابي: فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) *... إلى قوله * (الحكيم) * (المائدة: 711) قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم).
ذا طريق آخر في حديث ابن عباس السابق أخرجه عن محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة وغندر بضم الغين المعجمة وسكون النون، وقد مر غير مرة وهو لقب محمد بن جعفر عن شعبة بن الحجاج عن المغيرة ابن النعمان النخعي.
قوله: (محشورون) جمع محشور، اسم مفعول من حشر كذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: تحشرون، على صيغة المجهول من المضارع. فإن قلت: روى أبو داود أن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها.
قلت: التوفيق بين الحديثين بأن يقال: إن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة. قوله: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) *... الآية ساق ابن المثنى الآية كلها إلى قوله: * (فاعلين) * قوله: (وأن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام). قيل: ما وجه تقدمه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وأجيب: أنه لعله بسبب أنه أول من وضع سنة الختان، وفيه كشف لبعض العورة فجوزي بالستر أولا كما أن الصائم العطشان يجازى بالريان وقيل الحكمة من ذلك أنه حين ألقي في النار. وقيل: لأنه أول من استن الستر بالسراويل وقال: القرطبي في (شرح مسلم): يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله عليه وسلم، فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وقال تلميذه القرطبي أيضا في (التذكرة): هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي رضي الله تعالى عنه، الذي أخرجه ابن المبارك في (الزهد): من طريق عبد الله بن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه: أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام، قبطيتين ثم يكسى محمد صلى الله عليه وسلم: حلة حبرة عن يمين العرش.
قلت: العجب من القرطبي كيف يقول: يجوز أن يراد بالخلائق من عدى نبينا صلى الله عليه وسلم... إلى آخره، لأن العام لا يخص إلا بدليل مستقل لفظي مقترن كما عرف في موضعه، على أن ما رواه ابن المبارك المذكور يدفعه.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»