عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٥
من المشرق إلى المغرب.
قلت: قال الخطابي: هذا الحشر قبيل قيام الساعة، يحشر الناس أحياء إلى الشام، وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها، وإنما هو على ما ورد في حديث ابن عباس في الباب: (حفاة عراة مشاة). قوله: (راغبين)، هم السابقون. قوله: (وراهبين) هم عامة المؤمنين، والكفار أهل النار وفي رواية مسلم: (راهبين) بغير واو. قوله: (واثنان على بعير) قال الكرماني: والأبعرة إنما هي للراهبين والمخلصون حالهم أعلى واجل من ذلك، أو هي للراغبين، وأما الراهبون فيكونون مشاة على أقدامهم، أو هي لهما بأن يكون اثنان من الراغبين مثلا على بعير، وعشرة من الراهبين على بعير، والكفار يمشون على وجوههم. وقال الخطابي: قوله: (واثنان على بعير وثلاثة على بعير..) إلى آخره، يريد أنهم يعتقبون البعير الوحد يركب بعض ويمشي بعض، وإنما لم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة إيجازا واكتفاء بما ذكر من الأعداد، مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به، ولا مانع أن يجعل الله في البعير ما يقوي به على حمل العشرة. وقال بعض شراح (المصابيح): حمله على الحشر من القبور أقوى من أوجه، وذكر وجوها طوينا ذكرها، واكتفينا بما قاله الخطابي الذي ذكرناه الآن، وفيه كفاية للرد عليه، على أنه قد وردت عدة أحاديث في وقوع الحشر في الدنيا إلى جهة الشام، منها: حديث معاوية بن جيدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالا وركبانا، وتحشرون على وجوهكم). أخرجه الترمذي والنسائي. قوله: (تقيل). من القيلولة وهي استراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم، يقال: قال يقيل قيلولة فهو قائل، وفي قوله: يقيل... إلى آخره، دلالة على أنهم يقيمون كذلك أياما. قوله: (وتبيت)، من البيتوتة. وتصبح من الإصباح، وتمسي من الإمساء.
3256 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يونس بن محمد البغدادي حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة: بلى، وعزة ربنا). (انظر الحديث 0674).
مطابقته للترجمة ظاهرة. وعبد الله بن محمد هو الجعفي المعروف بالمسندي، ويونس هو ابن محمد المؤدب البغدادي، وشيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي.
والحديث مضى في التفسير. وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وغيره. وأخرجه النسائي في التفسير عن الحسين بن منصور.
قوله: (كيف يحشر؟) على صيغة المجهول وهو إشارة إلى قوله عز وجل: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 79) ووقع في بعض النسخ، قال: يا نبي الله! يحشر الكافر على وجهه؟ بدون لفظة: كيف، كأنه استفهام حذف أداته، والحكمة في حشر الكافر على وجهه أنه يعاقب على عدم سجوده لله تعالى في الدنيا، فيسحب على وجهه في القيامة إظهارا لهوانه. قوله: (أن يمشيه) بضم الياء من الإمشاء والمشي على حقيقته فلذلك استغربوه خلافا لمن زعم من المفسرين أنه مثل قوله: (قال قتادة: بلى وعزة ربنا) موصول بالسند المذكور. فإن قلت: هل ورد في الحديث وقوع المشي، على وجوههم في الدنيا أيضا؟.
قلت: روى أبو نعيم من حديث عبد الله بن عمرو: ثم يبعث الله بعد قبض عيسى عليه السلام، وأرواح المؤمنين بتلك الريح الطيبة نارا تخرج من نواحي الأرض تحشر الناس والدواب إلى الشام، وعن معاذ: يحشر الناس أثلاثا. ثلثا على ظهور الخيل، وثلثا يحملون أولادهم على عواتقهم، وثلثا على وجوههم مع القردة والخنازير إلى الشام، فيكون الذين يحشرون إلى الشام لا يعرفون حقا ولا فريضة ولا يعملون بكتاب ولا سنة، يتهارجون هم والجن مائة سنة تهارج الحمير والكلاب، وأول ما يفجأ الناس بعد من أمر الساعة أن يبعث الله ليلا ريحا فتقب كل دينار ودرهم، فيذهب به إلى بيت المقدس ثم ينسف الله بنيان بيت المقدس فينبذه في البحيرة المنتنة.
4256 حدثنا علي حدثنا سفيان قال عمر و: سمعت سعيد بن جبير سمعت ابن عباس سمعت
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»