عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٢٥٨
ليجلس فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا ثم فارقه ليعود إليه كإرادة الوضوء مثلا والشغل يسير ثم يعود، لا يبطل حقه في الاختصاص به، وله أن يقيم من خلفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه. واختلف: هل يجب عليه؟ على وجهين: أصحهما الوجوب، وقيل: يستحب وهو مذهب مالك، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها، قال: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا، وقال عياض: اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا: من اعتاد الجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه، قال: وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع، وقال القرطبي: الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب.
33 ((باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه أو تهيأ للقيام، ليقوم الناس)) أي: هذا باب يذكر فيه من قام من مجلسه وكان عنده ناس أطالوا الجلوس عنده، فاستحيى أن يقول لهم: قوموا، وهو معنى: لم يستأذن أصحابه. قوله: (أو تهيأ) أي: تجهز للقيام حتى يرى من عنده أنه يريد القيام ليقوموا معه، وهذه الترجمة مسبوكة من معنى حديث الباب.
6271 حدثنا الحسن بن عمر حدثنا معتمر سمعت أبي يذكر عن أبي مجلز عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، زينب ابنة جحش دعا الناس طعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذالك قام، فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاثة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم، جاء ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، قال: فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فأرخى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله تعالى: * ((33) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) * (الأحزاب: 53) إلى قوله: * (إن ذلكم كان عند الله عظيما) *.
مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه، وقد أوضحنا بعضه. والحسن بن عمر بن شقيق البصري، ومعتمر بضم الميم وسكون العين على وزن اسم الفاعل من الاعتمار يروى عن أبيه سليمان بن طرخان البصري، وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبالزاي اسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري.
والحديث مضى عن قريب في: باب آية الحجاب، فإنه أخرجه عن أبي النعمان عن معتمر عن أبيه... إلى آخره. وأخرجه قبله بأتم منه عن يحيى بن سليمان، ومضى الكلام فيه هناك، وكان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم وكان أشد الناس حياء فيما لم يؤمر فيه ولم ينه، فإذا أمره الله لم يستح من إنفاذ أمر الله والصدع به، وكان جلوسهم عنده بعدما طعموا للحديث أذى له ولأهله، قال تعالى: * ((33) أن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم) * (الأحزاب: 53). الآية، وقد حرم الله عز وجل أذى رسوله فأنزل الله تعالى من أجل ذلك الآية.
34 ((باب الاح باء باليد، وهو القرفصاء)) أي: هذا باب في بيان أمر الاحتباء باليد، ولم يبين حكمه اكتفاء بما دل عليه حديث الباب، والاحتباء مصدر احتبى يحتبي يقال: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامة، قاله الكرماني، وفسر البخاري الاحتباء بقوله: (وهو القرفصاء) وأخذه من كلام أبي عبيدة، فإنه قال: القرفصاء جلسة المحتبي ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه، وفي رواية الكشميهني: وهي القرفصاء بتأنيث الضمير، والقرفصاء بضم القاف وسكون الراء وفتح الفاء وضمها وبالصاد المهملة ممدودا ومقصورا، ضرب من القعود،
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»