قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا). ولما أخرج الطحاوي الأحاديث المذكورة قال: فكره قوم رواية الشعر واحتجوا بهذه الآثار. قلت: أراد بالقوم هؤلاء مسروقا وإبراهيم النخعي وسالم بن عبد الله والحسن البصري وعمرو بن شعيب فإنهم قالوا: يكره رواية الشعر وإنشاده، واحتجوا في ذلك بهذه الأحاديث المذكورة، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ثم قال الطحاوي: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس برواية الشعر الذي لا قذع فيه. قلت: أراد بالآخرين: الشعبي وعامر بن سعد ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب والقاسم والقوري والأوزاعي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد وأبا يوسف ومحمدا وإسحاق بن راهويه وأبا ثور وأبا عبيد، فأنهم قالوا: لا بأس برواية الشعر الذي ليس فيه هجاء ولا نكت عرض أحد من المسلمين ولا فحش، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب والبراء بن عازب وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان وعمران بن الحصين والأسود بن سريع وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين. قوله: (لا قذع فيه)، بفتح القاف وسكون الذال المعجمة وبعين مهملة وهو الفحش والخنى، ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بما ملخصه، قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ مشعرا)، فقالت عائشة: يرجم الله أبا هريرة، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره: (إن المشركين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا من مهاجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقوله: (جوف أحدكم) ظاهره الجوف مطلقا بما فيه من القلب وغيره ويحتمل أن يراد القلب خاصة، وهذا هو الأظهر لأن القلب إذا وصل إليه شيء منه وإن كان يسيرا فإنه يموت لا محالة بخلاف غير القلب. وقوله: (شعرا) ظاهره العموم لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه.
6155 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يمتلىء جوف رجل قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا.
مطابقته للترجمة مثل مطابقة الحديث السابق للترجمة. وعمر بن حفص يروي عن أبيه حفص بن غياث عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الطب. وابن ماجة في الأدب جميعا عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (حتى يريه)، زاد هذه اللفظة أبو ذر في روايته عن الكشميهني، وكذا في رواية النسفي، ونسبه بعضهم إلى الأصيلي أيضا، ورواه الطحاوي من حديث عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة بدون هذه اللفظة، ثم رواه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد: حتى يريه، ولسائر رواة الصحيح: قيحا يريه، بإسقاط حق. وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو عوانة وابن حبان من طرق عن الأعمش في أكثرها حتى يريه، وقال ابن الجوزي: وقع في حديث سعد عند مسلم حتى يريه، وفي حديث أبي هريرة عند البخاري بإسقاط حتى، فعلى ثبوتها يقرأ: يريه، بالنصب وعلى حذفها بالرفع ويريه بفتح الياء آخر الحروف وكسر الراء من الوري وهو الداء يقال: ورى يري فهو موري إذا أصاب جوفه الداء، وقال الأزهري: الوري مثل الرمي داء بداخل الجوف، يقال: رجل موري بغير همز، وقال الفراء: هو الوري بفتح الراء، وقال ثعلب: هو بالسكون مصدر، وبالفتح اسم. وقال الجوهري: ورى القيح جوفه يريه وريا: أكله. وقال قوم: حتى يصيب رئته، وأنكره غيرهم لأن الرئة مهموزة وإذا بنيت فعلا قلت: رآه يرآه، وقال الأزهري: إن الرئة أصلها من ورى وهي محذوفة، منه تقول: وريت الرجل فهو موري إذا أصبت رئته، والمشهور في الرئة الهمز.