عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ١٧٤
الخمر بطلوا الشراب وأراقوا ما بقي منه.
وبيان الوجه الثاني من ذلك هو قوله: وعن الثانية يعني: الجواب عن الحجة الثانية ما تقدم من أن اختلاف المشتركين في الحكم في الغلظ لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزنا مثلا، فإنه يصدق على من وطئ أجنبية، وعلى من وطئ امرأة جاره. والثاني أغلظ من الأول، وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة. ا ه. قلنا: سبحان الله ما أبعد هذا الجواب بشيء ونحن قائلون به، وذلك أن الاشتراك في الحكم في الغلظ لا يستلزم افتراقهما في التسمية عند وجود السكر في العصير المتخذ من غير العنب، فمن قال: إن العصير المتخذ من غير العنب قيل السكر مشترك مع عصير العنب المشتد في الحكم وكيف يكون ذلك والعصير المتخذ من غير العنب قبل السكر لا يسمى حراما فضلا عن أن يسمى خمرا، بخلاف العصير من العنب المشتد فإنه حرام أسكر أو لم يسكر؟ فأني يشتركان في الحكم، والزنا حرام في كل حالة مطلقا من غير تفصيل.
وبيان الوجه الثالث من ذلك هو قوله وعن الثالثة: أي الجواب عن الحجة الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب بما نفاه هو، كيف؟ وهو يستجيز أن يقول: لا لمخامرة العقل مع قول عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة: الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز. ا ه. قلنا: قول صاحب (الهداية) فإنما سمى خمرا لتخمره لا لمخامرته العقل غير معارض لكلام عمر رضي الله عنه فإن مراده من حيث الاشتقاق لأن الخمر ثلاثي فكيف يشتق من المخامرة الذي هو مزيد الثلاثي؟ وإنكاره من هذه الجهة على أنه قال بعد ذلك: على أن ما ذكرتم لا ينافي كون اسم الخمر خاصا في النيء من ماء العنب إذا أسكر، فإن النجم مشتق من الظهور وهو اسم خاص للنجم المعروف وهو الثريا، وليس هو باسم لكل ما ظهر، وهذا كثير النظائر نحو: القارورة فإنها مشتقة من القرار وليست اسما لكل ما يقرر فيه شيء ولم أر أحدا من شراح (الهداية) حرر هذا الموضع كما ينبغي، وقد بسطنا الكلام فيه بما فيه الكفاية ولله الحمد.
وملخص الكلام بما فيه الرد على كل من رد على أصحابنا فيما قالوه من إطلاق الخمر حقيقة على النيء من ماء العنب المشتد وعلى غيره مجازا وتشبيها، منهم: أبو عمر والقرطبي والخطابي والبيهقي وغيرهم بما رواه الطحاوي عن ابن عباس بإسناد صحيح، قال: حرمت الخمرة بعينها والمسكر من كل شراب، وروى أيضا من حديث ابن شهاب عن ابن أبي ليلى عن عيسى: أن أباه بعثه إلى أنس رضي الله عنه في حاجة فأبصر عنده طلاء شديدا، والطلاء مما يسكر كثيره. فلم يكن عند أنس ذلك خمرا وإن كثيره يسكر فثبت بذلك أن الخمر لم يكن عند أنس من كل شراب يسكر، ولكنها من خاص من الأشربة، وهذا يدل على أن أنسا كان يشرب الطلاء، ومع هذا قال الرافعي: ذهب أكثر الشافعية إلى أن الخمر حقيقة فيما يتخذ من العنب مجاز في غيره، وقال بعضهم: وخالفه ابن الرفعة فنقل عن المزني وابن أبي هريرة وأكثر الأصحاب أن الجميع يسمى خمرا حقيقة. قلت: هذا القائل لم يدر الفرق بين الرافعي وابن الرفعة، والله سبحانه وأعلم.
6 ((باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في حق من يرى الخمر حلالا. قوله: (ويسميه) أي: يسمي الخمر أي: وفي بيان من يسمى الخمر بغير اسمه، وإنما ذكر ضمير الخمر بالتذكير مع أن الخمر مؤنث سماعي باعتبار الشراب. قال الكرماني: ويروى يسميها بغير اسمها يعني: بتأنيث الضمير على الأصل.
5590 وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمان بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر. أو أبو مالك الأشعري. والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم يعني: الفقير لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»