وقول الله تعالى: * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * وقول الله بالجر عطف على الأشربة المجرورة بالإضافة، والآية بتمامها مذكورة في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: (رجس) الآية. وأول الآية: * (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) * (المائدة: 90) الآية وذكر البخاري هذه الآية تمهيدا لما يذكره من الأحاديث التي وردت في الخمر، وقد ذكرناها في سورة المائدة، وسبب نزولها ما قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية التي في البقرة: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) * (البقرة: 129) فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت الآية التي في النساء: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 43) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام إلى الصلاة ينادي أن لا يقرب الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: * (فهل أنتم منتهون) * (المائدة: 61) قال عمر: انتهينا انتهينا، وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق، وصحح هذا الحديث الترمذي وعلي بن المديني. قوله: (الخمر)، اختلف أهل اللغة في اشتقاق اسم الخمر على ألفاظ قريبة المعاني، فقيل: سميت خمرا لأنها تخمر العقل أي: تغطيه وتستره، ومنه خمار المرأة لأنه يغطي رأسها وقيل: مشتقة من المخامرة. وهي المخالطة لأنها تخالط العقل، وقيل: سميت خمرا لأنها تركت حتى أدركت يقال: خمر العجين أي: بلغ إدراكه، وقيل: سميت خمرا لتغطيتها الدماغ، وقال أبو حنيفة: هي مؤنثة وقد ذكر ذلك الفراء، وأنشد قول الأعشى:
* وكان الخمر العتيق من الإسف * ط ممزوجة ماء زلال * وذكرها حيث قال: العتيق لإرادة الشراب، ولها أسماء كثيرة وذكر صاحب (التلويح) ما يناهز تسعين اسما، وذكر ابن المعتز مائة وعشرين اسما وذكر ابن دحية مائة وتسعين أسما قوله: (والميسر) الغمار، وعن عطاء ومجاهد وطاووس كل شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، وقال راشد بن سعيد وحمزة بن حبيب: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان وقال الزمخشري: الميسر القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما، يقال: يسرته إذا قمرته واشتقاقه من اليسر لأنه أخذ مال الرجل بيسر ومهولة من غير تعب ولا كد أو من اليسار لأنه يسلب يساره. قوله: (والأنصاب)، جمع نصب بضم الصاد وسكونها وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما فيعبدونه. وقيل: كانوا ينصبونه ويذبحون عليه فيحمر بالدم. قوله: (والأزلام) جمع زلم وهو بفتح الزاي، وهي عبارة عن قداح ثلاثة على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث: عطل ليس عليه شيء فإذا خرج الأمر فعله، وإذا خرج الناهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام، وقيل: نعتت الخمر بأنها رجس أي: نجسة وقذرة ولا عين توصف بذلك إلا وهي محرمة يدل على ذلك الميتة والدم، والرجس قد ورد في كتاب الله عز وجل والمراد به الكفر. قال الله تعالى: * (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) * (التوبة: 125) يعني: الكفر، ولا يصح أن يكون الرجس المذكور في آية الخمر يراد به الكفر لأن الأعيان لا يصح أن تكون أيمانا ولا كفر أو لأن الخمر لو كانت كفرا لوجب أن يكون العصير أيمانا لأن الكفر والإيمان طريقهما الاعتقاد والقول، وإنما أطلق عليها الرجس لكونها أقوى في التحريم وأوكد عند العلماء، وقد مر في التفسير بأبسط من هذا.
5575 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن القعني ويحيى بن يحيى فرقهما. وأخرجه النسائي فيه وفي الوليمة عن قتيبة وغيره.
قوله: (حرمها) بضم الحاء وكسر الراء المخففة على صيغة المجهول وهو متعد إلى المفعولين لأنه