عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ١٧٦
هذا ليس بشيء إذ الترديد في الصحابي لا يضر إذ كلهم عدول. قوله (والله ما كذبني) هذا تأكيد ومبالغة في صدق الصحابي لأن عدالة الصحابة معلومة، وقال بعضهم: هذا يؤيد رواية الجماعة أنه عن واحد لا عن اثنين قيل: هذا كلام ساقط لأنه من قال: إن هذا الحديث من اثنين حتى يؤيد بهذا اللفظ أنه من واحد. قلت: لا بل هو كلام موجه لأن ابن حبان روى عن الحسين بن عبد الله عن هشام بهذا السند إلى عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكر الحديث، كذا قال، والمحفوظ رواية الجماعة بالشك. قوله (من أمتي) قال ابن التين. قوله (من أمتي) يحتمل أن يريد من تسمى بهم ويستحل ما لا يحل فهو كافر إن أظهر ذلك، ومنافق إن أسره أو يكون مرتكب المحارم تهاونا واستخفافا فهو يقارب الكفر، والذي يوضح في النظر أن هذا لا يكون إلا ممن يعتقد الكفر ويتسم بالإسلام، لأن الله عز وجل لا يخسف من تعود عليه رحمته في المعاد، وقيل: كونهم من الأمة يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف، فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الأمة إذ تحريم الخمر معلوم ضرورة. قوله: (يستحلون الحر) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء أي: الفرج، وأصله: الجرح، فحذفت إحدى الحائين منه، كذا ضبطه ابن ناصر، وكذا هو في معظم الروايات من (صحيح البخاري) وقال ابن التين: هو بالمعجمتين يعني: الخز وقال ابن العربي: هو تصحيف، وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج، والمعنى: يستحلون الزنا، وقال أبو الفتح القشيري: إن في كتاب أبي داود والبيهقي ما يقتضي أنه الخز بالزاي والخاء المعجمة، وقال ابن بطال: وهو الفرج وليس كما أوله من صحفه، فقال: الخز من أجل مقارنته الحرير فاستعمل التصحيف بالمقارنة، وحكى عياض فيه تشديد الراء، وقال ابن قرقول: مخفف الراء، فرج المرأة وهو الأصوب، وقيل: أصله بالتاء بعد الراء فحذفت، وقال الداودي: أحسب أن قوله: (من الخز) ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه، وقال المنذري: أورد أبو داود هذا الخبر في: باب ما جاء في الخز، كذا الرواية فدل أنه عنده كذلك وكذا وقع في البخاري، وهي ثياب معروفة لبسها غير واحد من الصحابة والتابعين، فيكون النهي عنه لأجل التشبه. قلت: الصواب ما قاله ابن بطال، وقد جاء في حديث يرويه أبو ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحل الخز والحرير، يراد به استحلال الحرام من الفرج. قوله: (والحرير) قال ابن بطال: واستحلالهم الحرير أي: يستحلون النهي عنه، والنهي عنه في كتاب الله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * (النور: 63). قوله والمعازف الملاهي جمع معزفة، يقال: هي آلات الملاهي، ونقل القرطبي عن الجوهري: إن المعازف القيان، والذي ذكره في (الصحاح) أنها آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي، وفي (حواشي الدمياطي): المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به، ويطلق على الغناء عزف، وعلى كل لعب عزف، ووقع في رواية مالك بن أبي مريم تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف. قوله (علم) بفتحتين الجبل والجمع أعلام، وقيل: العلم رأس الجبل. قوله: (يروح عليهم) فاعل يروح محذوف أي: يروح عليهم الراعي بقرينة السارحة لأن السارحة هي الغنم التي تسرح لا بد لها من الراعي، ويروى: تروح عليهم سارحة، بدون حرف الباء، فعلى هذا سارحة مرفوع بأنه فاعل يروح أي: تروح سارحة كائنة لهم، المعنى: أن الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها، وتروح أي: ترجع بالعشي إلى مألفها. قوله (يأتيهم) فاعله (الفقير) ولهذا قال: يعني الفقير، وفي رواية يأتيهم فقط فاعله محذوف، وهو الفقير يدل عليه قوله (لحاجة) وقال الكرماني: وفي بعض المخرجات: يأتيهم رجل لحاجة، تصريحا بلفظ: رجل، وفي رواية الإسماعيلي: فيأتيهم طالب حاجة. قوله: (فيبيتهم الله) أي: يهلكهم بالليل، والبيات هجوم العدو ليلا. قوله: (ويضع العلم) أي: يضع الجبل بأن يدكدكه عليهم ويوقعه على رؤوسهم، ويروى: ويضع العلم عليهم بزيادة لفظ: عليهم. قوله: (ويمسخ آخرين) أي: يمسخ جماعة آخرين ممن لم يهلكهم البيات، وقال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع في الأمم الماضية، ويحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم، وقال ابن بطال: المسخ في حكم الجواز في هذه الأمة إن لم يأت خبر يهلكهم يرفع جوازه، وقد وردت أحاديث بينة الأسانيد أنه يكون في هذه الأمة خسف ومسخ، وقد جاء في الحديث أن القرآن يرفع من الصدور، وأن الخشوع والأمانة ينزعان منهم، ولا مسخ أكثر من هذا، وقد يكون الحديث على ظاهره فيمسخ الله من أراد تعجيل عقوبته، كما أهلك قوما بالخسف، وقد رأينا ذلك عيانا، فكذلك المسخ يكون، وزعم
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»