عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٣٨
ريحها طيب وطعمها ومثل الفاجر الذي لا ي قرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها.
قيل: الحديث في بيان فضل قارىء القرآن، وليس فيه التعرض إلى ذكر فضل القرآن. قلت: لما كان لقارىء القرآن فضل كان للقرآن فضل أقوى منه، لأنه الفضل للقارئ إنما يحصل من قراءة القرآن فتأتي مطابقة الحديث للترجمة من هذه الحيثية.
وهمام هو ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري.
والحديث فيه رواية تابعي عن صحابي ورواية صحابي عن صحابي وهي رواية قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
وأخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الصلاة عن هدبة، وعن غيره وأخرجه أبو داود في الأدب عن مسدد به وعن عبيد الله بن معاذ، وأخرجه الترمذي في الأمثال عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الوليمة وفي فضائل القرآن عن عبيد الله بن سعيدوفي الأيمان عن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار.
قوله: (مثل الذي يقرأ القرآن) إلى آخره إعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل بن علي معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونة إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ، ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس، وهو المؤمن الذي لم يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يجد ما يوافقها ويلايمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة بن علي التقسيم الحاضر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب عليها، فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين: طعم وريح، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال فإنها من ثمرات النفوس، فحص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق تنبيها بن علي علو شأن المؤمن وارتفاع علمه ودوام ذلك، وتوقيفا بن علي ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه. قوله: (مثل الذي يقرأ) فيه إثبات القراءة بن علي صيغة المضارع، وفي قوله: (لا يقرأ) بالنفي ليس المراد منها حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منها الاستمرار والدوام عليها، وأن القراءة دأبه وعادته وليس ذلك من هجيراه كقوله: فلان يقري الضيف ويحمي الحريم. قوله: (كالأترجة)، بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء وتشديد الجيم وقد تخفف، ويروى أترنجة، بالنون الساكنة بعد الراء. وحكى أبو زيد: ترنجة وترنج وترج، وجه التشبيه بالأترنجة لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان، وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها، والخواص الموجودة فيها فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها تأخذ الأبصار صبغة ولونا فاقع لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وهضم اشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ثم إن أجزاءها تنقسم بن علي طبائع: قشرها حار يابس، ولحمها حار ورطب، وحماضها بارد يابس، وبرزها حار مجفف، وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية. قوله: (ولا ريح لها) ويروي فيها. قوله: (ومثل الفاجر) أي: المنافق. قوله: كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها، ووقع في الترمذي كمثل الحنظلة طعهمها مر وريحها مر. قيل: الذي عند البخاري أحسن لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض والعرض لا يقوم بالعرض ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة.
1205 حدثنا مسدد عن يحيى عن سفيان حدثني عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا. فقال:
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»