عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٤٠
مذهب في الحديث، وهو موافق لتأويل سفيان، يتغنى به، لكنه حمله بن علي ضد الفقر، والبخاري حمله بن علي ما هو أعم من ذلك، وهو إلا كتفاء مطلقا.
3205 حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتغنى بالقرآن.
وقال: صاحب له يريد يجهر به.
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة والحديث من أفراده وأخرجه في التوحيد أيضا.
قوله: (للنبي) بالنون والباء الموحدة في رواية رواة البخاري كلهم، وفي رواية الإسماعيلي: لشيء، بالشين المعجمة، وكذا في رواية مسلم في جميع طرقه. قوله: (ما أذن للنبي) بالألف واللام عند أبي ذر، وعن، غيره لنبي، بدون الألف واللام، وقال بعضهم: فإن كانت محفوظة بالألف واللام فهي للجنس ووهم من ظنها للعهد، وتوهم أن المراد نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وشرحه بن علي ذلك. قلت: هذا الذي ذكره عين الوهم، والأصل في الألف واللام أن يكون للعهد خصوصا في المفرد، وعلى ما ذكره يفسد المعنى لأنه يكون بن علي هذه الصورة لم يأذن الله لنبي من الأنبياء ما أذن لجنس النبي وهذا فاسد. قوله: (أن يبتغى) كذا في رواية الكل بلفظة: أن وفي رواية أبي نعيم من وجه آخر: عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه بدون: أن وزعم ابن الجوزي أن الصواب حذف (أن) وأن إثباتها وهم من بعض الرواة لأنهم كانوا يروون بالمعنى، فربما ظن بعضهم المساواة فوقع في الخطأ لأن الحديث لو كان بلفظ أن لكان من الإذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى الإباحة والإطلاق، وليس ذلك مرادا هنا، وإنما هو من الأذن بفتحتين وهو الاستماع. قوله: (أذن) أي: استمع، والحاصل أن لفظة: أذن، بفتحة ثم كسرة في الماصي، وكذا في المضارع مشترك بين الإطلاق والاستماع تقول: آذنت آذن بالمد، فإن أردت الإطلاق فالمصدر بكسر ثم سكون، وإن أردت الاستماع فالمصدر أذن بفتحتين وقال القرطبي: أصل الأذن بفتحتين أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله لا يراد به ظاهر، وإنما هو بن علي سبيل التوسع بن علي ما جرى به عرف التخاطب، والمراد به في حق الله تعالى إكرام القارئ وإجزال ثوابه، لأن ذلك ثمرة الإصغاء.
واختلفوا في معنى التغني، فعن الشافعي: تحسين الصوت بالقرآن، ويؤيده قول ابن أبي مليكة في سنن أبي داود إذا لم يكن حسن الصوت يحسنه ما استطاع، وقيل: يستغني به، وكذا وقع في رواية أحمد عن وكيع وقيل: يستغني به عن أخبار الأمم الماضية والكتب المتقدمة، وقيل: معناه التشاغل به والتغني، وقيل: ضد الفقر، وقيل: من لم يرتح لقراءته وسماعه، وقال الإمام: أوضح الوجوه في تأويله: من لم يغنه القرآن ولم ينفعه في إيمانه ولم يصدق بما فيه من وعد ووعيد فليس منا، ومن تأول بهذا التأويل كره القراءة بالألحان والترجيع، روي ذلك عن أنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير والنخعي وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الرحمن بن الأسود فيما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب الثواب وقالوا: كانوا يكرهونها بتطريب، وهو قول مالك، وممن قال: المراد به تحسين الصوت والترجيع بقراءته والتغني بما شاء من الأصوات واللحون الشافعي وآخرون، وذكر عمر بن شبة قال: ذكرت لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة الذي ذكره عن قريب، فقال: ما يصنع ابن عيينة شيئا، حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: كان لداود عليه الصلاة والسلام، معزفة يتغنى عليها ويبكى ويبكى، وعن ابن عباس: أنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنا ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم، فإذا أراد أن يبكي نفسه لم تيقدابة في بر أو بحر إلا أنصتن يسمعن ويبكين، ومن الحجة لهذا القول أيضا حديث ابن مغفل في وصف قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: ثلاث مرات، وهذا غاية الترجيع، ذكره البخاري في الاعتصام، وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة، فقال: نحن أعلم بهذا لو أراد الاستغناء لقال: من لم يستغن بالقرآن، ولكن لما قال: من لم يتغن بالقرآن، علمنا أنه أراد به التغني، وكذلك فسره
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»