عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ٥٢
لا يؤمنون بما يكون في الآخرة، وكلمة: إذ، بدل من الحسرة، أو منصوب بالحسرة.
0374 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هاذا فيقولون نعم هاذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هاذا فيقولون نعم هاذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ: * (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهاؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون) * (مريم: 93).
مطابقته للترجمة ظاهرة، والأعمش هو سليمان، وأبو صالح هو ذكوان السمان، وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النار عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه الترمذي في التفسير عن أحمد بن المنيع. وأخرجه النسائي في التفسير عن هناد بن العوسى.
قوله: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح)، والأملح الذي فيه بياض كثير سواد، قاله الكسائي، وقال ابن الأعرابي: هو الأبيض الخالص، والحكمة في كونه على هيئة كبش أبيض لأنه جاء: أن ملك الموت أتى آدم عليه الصلاة والسلام، في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح، والحكمة في كون الكبش أملح أبيض وأسود، أن البياض من جهة الجنة والسواد من جهة النار، قاله علي بن حمزة. قوله: (فيشرئبون)، من الإشريباب، يقال: اشرأب إذا مد عنقه لينظر، وقال الأصمعي: إذا رفع رأسه. قوله: (فيقولون نعم) فإن قلت: من أين عرفوا ذلك حتى يقولون نعم؟ قلت: لأنهم يعاينون ملك الموت في هذه الصورة عند قبض أرواحهم. قوله: (فيذبح)، أي: بين الجنة والنار، فيذبح، الحديث. وقيل: يذبح على الصراط على ما رواه ابن ماجة عن أبي هريرة بلفظ: يجاء بالموت فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من النار، هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصراط، وقيل: يذبح على السور الذي بين الجنة والنار، وأخرج الترمذي هذا، فيقولون: نعم هذا الموت، ثم قال: حسن صحيح. فإن قلت: الموت عرض بنا في الحياة أو هو عدم الحياة، فكيف يذبح؟ قلت: يجعله الله مجسما حيوانا مثل الكبش أو المقصود منه التمثيل، وعن ابن عباس ومقاتل والكلبي، أن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يركبونها خطوها مد البصر فوق الحمار ودون البغل لا يمر بشيء ولا يجدر ريحها إلا حيى، وهو الذي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل، فإن قلت: من الذابح للموت؟ قلت: يذبحه يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام، بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الذي يذبحه جبريل عليه الصلاة والسلام، ذكره القرطبي في (التذكرة). قوله: (خلود لا موت)، لفظ: خلود إما مصدر، وإما جمع خالد. قال الكرماني: ولم يبين ما وراء ذلك. قلت: إذا كان مصدرا يكون تقديره: أنتم خلود وصف بالمصدر للمبالغة، كما تقول: رجل عدل وإذا كان جمعا يكون تقديره: أنتم خالدون، وهذا أيضا يدل على الخلود لأهل الدارين لا إلى أمد وغاية، ومن قال: إنهم يخرجون منها وإن النار تبقى خالية وإنها تفنى وتزول فقد خرج عن مقتضى العقول وخالف ما جاء به الرسول وما أجمع عليه أهل السنة والعدول، وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها عصاة أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير، وقد بين ذلك موقوفا عبد الله بن عمرو بن العاص: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها ليس فيها أحد من الموحدين، وهذا، وإن كان موقوفا فإن مثله لا يقال بالرأي قوله: (وهم في غفلة)، فسر بهؤلاء ليشير إليهم بيانا لكونهم أهل الدنيا إذ الآخرة ليست دار غفلة.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»