عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ١٤٤
الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (وما قدروا الله حق قدره) * (الزمر: 76).
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وآدم هو ابن أبي إياس عبد الرحمن، وشيبان هو ابن عبد الرحمن، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة بفتح العين وكسر الباء الموحدة: السلماني، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن عثمان وعن مسدد. وأخرجه مسلم في التوبة عن أحمد بن يونس. و أخرجه الترمذي في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم به وعن غيره.
قوله: (حبر) بفتح الحاء وكسرها، و: العالم، بالفتح وما يكتب به بالكسر. قوله: (على إصبع) المراد منه القدرة، وقال ابن فورك: المراد به هنا إصبع بعض مخلوقاته، وهو غير ممتنع، وقال محمد ابن شجاع الثلجي: يحتمل أن يكون خلق خلقه الله تعالى يوافق اسمه اسم الإصبع، وما ورد في بعض الروايات من أصابع الرحمن يؤول بالقدرة أو الملك، وقال الخطابي: الأصل في الإصبع ونحوها أن لا يطلق على الله إلا أن يكون بكتاب أو خبر مقطوع بصحته، فإن لم يكونا فالتوقف عن الإطلاق واجب، وذكر الأصابع لم يوجد في الكتاب ولا في السنة القطعية، وليس معنى اليد في الصفات بمعنى الجارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الإصبع، وقد روى هذا الحديث كثير من أصحاب عبد الله من طريق عبيدة فلم يذكروا فيه تصديقا لقول الحبر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)، والدليل على أنه لم ينطق فيه بحرف تصديقا له وتكذيبا، وإنما ظهر منه الضحك المخيل للرضاء مرة، وللتعجب والإنكار أخرى، وقول من قال: إنما ظهر منه الضحك تصديقا للحبر ظن منه، والاستدلال في مثل هذا الأمر الجليل غير جائز، ولو صح الخبر لا بد من التأويل بنوع من المجاز، وقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف إلى الرجل القوي المستقل المستظهر إنه يعمله بإصبع أو بخنصر ونحوه، يريد الاستظهار في القدرة عليه والاستهانة به، فعلم أن ذلك من تحريف اليهودي، فإن ضحكه صلى الله عليه وسلم إنما كان على معنى التعجب والتكبر له، وقال التميمي تكلف الخطابي فيه، وأتى في معناه ما لم يأت به السلف، والصحابة كانوا أعلم بما رووه، وقالوا: إنه ضحك تصديقا له، وثبت في السنة الصحيحة: (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن)، وقال الكرماني: الأمة في مثلها طائفتان مفوضة ومؤولة واقفون على قوله: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * (آل عمران: 7) وقال النووي، رحمه الله: وظاهر السياق يدل على أنه ضحك تصديقا بدليل قراءته الآية التي تدل على صحة ما قال الحبر. قوله: (نواجذه)، بالنون والجيم والذال المعجمة، وقال الأصمعي: هي الأضراس كلها لا أقصى الأسنان، والأحسن ما قاله ابن الأثير: النواجذ من الإنسان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان، والمراد الأول لأنه صلى الله عليه وسلم، ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه، كيف وقد جاء في صفة ضحكه: (جل ضحكه التبسم)، وإن أريد بها الأواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله في الضحك من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك، وهو أقيس القولين لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان.
3 ((باب قوله: * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) * (الزمر: 76)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (والأرض جميعا) * الآية... ولم يذكر لفظ: باب، في بعض النسخ، ولما أخبر الله تعالى عن عظمته قبل هذه الآية ذكر أن من جملة عظمته أن الأرض جميعا قبضته أي: ملكه يوم القيامة بلا منازع ولا مدافع، قال الأخفش: هذا كما يقال: خراسان في قبضة فلان، ليس يريد أنها في كفه، إنما معناه أنها ملكه، ولما وقع الأرض مفردا حسن تأكيده بقوله: جميعا، أشار إلى أن المراد جميع الأراضي. قوله: (مطويات) للطي معان: (الإدراج): كطي القرطاس والثوب، بيانه في قوله تعالى: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) * (الأنبياء: 401)، (والإخفاء)، يقال: طويت فلانا عن أعين الناس، واطو هذا الحديث عني أي: استره، والإعراض، يقال: طويت عن فلان أعرضت عنه، (والإفناء): يقول العرب: طويت فلانا بسيفي أي أفنيته، وإنما ذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار، وقيل: هو بمعنى القوة، وقيل: اليمين القسم لأنه حلف أنه يطويها وينفيها، ثم نزه الله عز وجل فقال سبحانه الآية.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»