عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ١١٧
فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) * (الأحزاب: 82)) أي: هذا باب في قوله تعالى: * (يا أيها النبي) * إلى آخر الآية في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى: * (أمتعكن) *... الآية. قال المفسرون: كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم، يسألنه من عروض الدنيا والزيادة في النفقة ويتأذى بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن وآلى منهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه، فنزلت آية التخيير. قوله: (إن كنتن تردن الحياة الدنيا) أي: السعة في الدنيا وكثرة الأموال: * (وزينتها فتعالين) * أي: أقبلن بإرادتكن واختياركن أمتعكن متعة الطلاق، والكلام في المتعة في النفقة. قوله: * (وأسرحكن) * يعني: الطلاق * (سراحا جميلا) * من غير إضرار.
واختلفوا في تخييره صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنه خيرهن بين اختيارهن الدنيا فيفارقهن واختيار الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق، قاله الحسن وقتادة، وقيل: بل بين الطلاق والمقام معه، قالته عائشة ومجاهد والشعبي ومقاتل، وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. واختلفوا في سبب التخيير، فقيل: لأن الله تعالى خيره بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فأمر أن يخير بين نسائه ليكن على مثل حاله، وقيل: لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهرا، وقيل: لأنهن اجتمعن يوما فقلن: نريد ما تريد النساء من الحلي حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وثياب وحلي، وقيل: لأن كل واحدة طلبت منه شيئا فكان غير مستطيع فطلبت أم سلمة معلما، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبا مخططا وهو البرد اليماني. وأم حبيبة ثوبا سحوليا، وحفصة ثوبا من ثياب مصر، وجويرية معجرا، وسودة قطيفة خيبرية، إلا عائشة رضي الله عنها، فلم تطلب شيئا.
وقال معمر التبرج أن تخرج محاسنها لفظ: قال معمر، لم يثبت إلا لأبي ذر وهو معمر بن المثنى أبو عبيدة. قاله بعضهم، ثم حط على صاحب (التلويح) بإساءة أدب حيث قال: وتوهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاري معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر ولا وجود لذلك في كتابه. قلت: لم يقل الشيخ علاء الدين مغلطاي: معمر بن راشد، وإنما قال: هذا رواه عبد الرزاق عن معمر، ولم يقل أيضا في تفسيره: حتى يشنع عليه بأنه لم يوجد في تفسيره، وعبد الرزاق له تآليف أخرى غير تفسيره وحيث أطلق معمرا يحتمل أحد المعمرين. ثم قال: في قوله: * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * (الأحزاب: 33) وفسره بقوله: (أن تخرج محاسنها) وعن مجاهد وقتادة: التبرج التبختر والتكسر والتغنج.
سنة الله استنها جعلها أشار به إلى قوله تعالى: * (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * ثم قال: (استنها) يعني: جعلها سنة، وفي التفسير: سنة الله أي: كسنة الله، نصب بنزع الخافض، وقيل: فعل سنة الله، وقيل: على الإغراء أي: اتبعوا سنة الله. قوله: (في الذين خلوا)، أراد سنة الله في الأنبياء الماضيين أن لا يؤاخذكم بما أحل لكم، وقيل: الإشارة بالسنة النكاح فإنه من سنة الأنبياء، عليهم السلام.
5874 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال إن الله قال: * (يا أيها النبي قل لأزواجك) * إلى تمام الآيتين فقلت له ففي أي هاذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ورجاله قد مضوا عن قريب، والحديث رواه البخاري أيضا في الطلاق عن أبي اليمان، وأخرجه
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»