أي: هذا باب في قوله تعالى: الآن خفف الله عنكم) * الآية. وهذا المقدار هو في رواية أبي ذر، وعند غيره إلى قوله: * (والله مع الصابرين) * (الأنفال: 46) قوله: (الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير منكر وقع معرفة ولم يدخل الألف واللام عليه للتعريف لأنه ليس له ما يشركه قوله: (ضعفا) بفتح الضاد وقرئ بضمها وقرأ أبو جعفر: ضعفاء جمع ضعيف والضعف في العدد في قول أكثر العلماء وقيل: في القوة والجلد.
4653 ح دثنا يحيى بن عبد الله السلمي أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا جرير بن حازم قال أخبرني الزبير بن خريث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 66) شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف فقال: * (الآن خفف الله عنكم وعلم إن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) * قال فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ويحيى بن عبد الله السلمي، بضم السين المهملة وفتح اللام، ويقال له: خاقان البلخي، وجرير، بفتح الجيم: ابن حازم بالحاء المهملة والزاي، والزبير بضم الزاي ابن الحريث، بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون الياء آخر الحروف وبالتاء المثناة من فوق، البصري من صغار التابعين والحديث أخرجه أبو داود في الجهاد عن أبي توبة الربيع بن نافع. قوله: (من الصبر)، ووقع في رواية وهب بن جرير عن أبيه عند الإسماعيلي نقص من النصر، وهذا القول من ابن عباس توقيف في الظاهر، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء، والله أعلم.
9 ((* (سورة براءة) *)) أي: هذه سورة براءة يعني: في بيان بعض تفسيرها، وسيأتي معنى براءة، عن قريب إن شاء الله تعالى. وقال أبو الحسن بن الحصار: هي مدنية باتفاق. وقال مقاتل: إلا آيتين من آخرها * (لقد جاءكم) * (التوبة: 128) إلى آخرها نزلت بمكة، وقيل: فيها اختلاف في أربع عشرة آية، وهي عشرة آلاف وثمانمائة وسبعة وثمانون حرفا وألفان وأربعمائة وسبع وتسعون كلمة، ومائة وثلاثون آية مدني وبصري وشامي ومكي، ومائة وعشرون وتسع كوفي، ولها ثلاثة عشر اسما اثنان مشهوران (براءة)، و (التوبة) و (سورة العذاب) و (والمقشقشة) لأنها تقشقش عن النفاق أي: تبرىء، وقيل: من تقشقش المريض إذا برأ (والبحوث) لأنها تبحث عن سرائر المنافقين و (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين و (المبعثرة) لأنها بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم و (المثيرة) لأنها أثارت مخازي المنافقين و (الحافرة) لأنها حفرت عن قلوبهم و (المشردة) لأنها تشرد بالمنافقين و (المخزية) لأنها تخزي المنافقين و (المنكلة) لأنها تتكلم و (المدمدمة) لأنها تدمدم عليهم. واختلف في سبب سقوط البسملة من أولها. فقيل: لأن فيها نقض العهد والعرب في الجاهلية كانوا إذا نقض العهد الذي كان بينهم وبين قوم لم يكتبوا فيه البسملة، ولما نزلت براء بنقض العهد قرأها عليهم علي، رضي الله تعالى عنه، ولم يبسمل جريا على عادتهم، وقيل: لأن عثمان، رضي الله تعالى عنه، قال: كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخره، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها فمن ثمة قرنت بينهما ولم أكتب بينهما البسملة، رواه الحاكم وصححه، وقيل: لما سقط البسملة معه، روي عن عثمان أيضا وقاله مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم، وقال ابن عجلان: بلغني أن براءة كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها فلذلك لم تكتب البسملة، وقيل: لما كتب المصحف في خلافة عثمان اختلفت الصحابة. فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فترك بينهما فرجة لقول من لم يقل إنهما سورة واحدة، وبه قال: خارجة وأبو عصمة وآخرون، وقيل: روى الحاكم في (مستدركه) عن ابن عباس، قال: سألت عليا رضي الله تعالى عنه، عن ذلك فقال: لأن البسملة أمان وبراءة