أي: هذا باب في قوله تعالى: * (الذين استجابوا لله والرسول) * الآية. قوله: (الذين استجابوا) مبتدأ وخبره قوله: (للذين أحسنوا منهم) واستجابوا بمعنى أجابوا، كما في قول الشاعر:
* وداع دعايا من يجيب إلى الندافل يستجبه عند ذاك مجيب * وتقول العرب: استجبتك، بمعنى: أجبتك، فإن قلت: ما فائدة هذه السين هنا؟ قلت: فائدتها أنها تدل على أن الفعل الذي تدخل عليه هذه السين واقع لا محالة، وسواء كان في فعل محبوب أو مكروه، وسبب نزول هذه الآية الكريمة ما رواه أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة. قال: لما رجع المشركون من أحد قالوا: لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة الشك من سفيان، فقال المشركون: نرجع من قليل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت تعد غزوة، وأنزل الله عز وجل: * (الذين استجابوا لله والرسول) * الآية. ورواه ابن مردويه أيضا من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، فذكره وقال: محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا قال: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالخروج في طلب العدو. قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحات، فكان إذا غلب حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون (فإن قلت): لم لم يسبق في هذا الباب حديثا؟ قلت: كأنه لم يظفر بحديث يطابقه فبيض له ثم لم يدرك تسويده، والذي ذكرناه الآن عن ابن أبي حاتم مطابق للباب لأن رجاله رجال الصحيح، ولكنه مرسل عن عكرمة.
فإن قلت: فيه عن ابن عباس في رواية كما في رواية ابن مردويه. قلت: المحفوظ عن عكرمة ليس فيه ابن عباس، كذا قيل: وفيه موضع التأمل.
القرح الجراح. استجابوا أجابوا يستجيب يجيب أشار بقوله: القرح إلى ما في قوله تعالى: * (أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) * قال الزمخشري: القرح، بفتح القاف وضمها لغتان كالضغف والضعف، وقيل هو بالفتح: الجراح وبالضم المها وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ القرح، بالضم وهي قراءة أهل الكوفة، وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت: اقرؤها بالفتح لا بالضم، وقرأ أبو السمال: قرح، بفتحتين والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم مثله يوم بدر. قوله: (استجابوا أجابوا) أشار بهذا إلى أن الاستفعال بمعنى الأفعال، وقد ذكرنا الآن فائدة السين. قوله: (يستجيب: يجيب)، أراد أن يستجيب الذي في قوله تعالى: * (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (الشورى: 26) أي: يجيب الذين آمنوا، وإنما ذكر هذا هنا وهو في سورة الشورى استشهاد للآية المتقدمة.
13 ((باب: * (إن الناس قد جمعوا لكم) * (آل عمران: 173) الآية)) أي: هذا باب في قوله تعالى: * (إن الناس قد جمعوا لكم وأوله والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * وفي رواية أبي ذر: باب: * (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) * وزاد غيره لفظ: الآية، والمراد بالناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي، وقيل: المنافقون والمراد بالناس الثاني: أبو سفيان وأصحابه، وأبو نعيم أسلم بعد ذلك. فإن قلت: ما وجه إطلاق الجمع على الواحد في قول من قال إن المراد بالناس الأول هو أبو نعيم؟ قلت: قال الزمخشري: لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله إلا فرس واحد وبرد واحد. قوله: (فزادهم) الفاعل فيه هو الضمير الذي يرجع إلى ما دل عليه قوله: (فاخشوهم) أي: ذلك التخويف زادهم إيمانا أي: تصديقا وثبوتا