نصرانيته وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده، وكأنه لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة. وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه فلذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه قوله: (قال: فهل قاتلتموه)؟ إنما نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل هل قاتلكم؟ لاطلاعه على أن النبي لا يبدأ قومه حتى يبدؤا. قوله: (يصيب منا ونصيب منه)، الأول بالياء بالإفراد والثاني بالنون علامة الجمع. قوله: (إني سألتك عن حسبه فيكم) ذكر الأسئلة والأجوبة المذكورتين على ترتيب ما وقعت وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الكل فالبعض ما تلقفه من الكتب والبعض مما استقرأه بالعادة ولم تقع في كتاب بدء الوحي الأجوبة بترتيب. والظاهر أنه من الراوي بدليل أنه حذف منها واحدة. وهي قوله: (هل قاتلتموه)؟ ووقع في رواية الجهاد مخالفة في الموضعين فإنه أضاف قوله: بم يأمركم؟ إلى بقية الأسئلة، فكملت بها عشرة. وأما هنا فإنه أخر قوله: بم يأمركم؟ إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها. قوله: (وقال لترجمانه: قل له)، أي: قال هرقل لترجمانه: قل لأبي سفيان. قوله: (فإنه نبي)، ووقع في رواية الجهاد (وهذه صفة نبي) وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة فقال: (هو نبي). قوله: (لأحببت لقاءه)، وفي كتاب الوحي: (لتشجشمت). أي: لتكلفت، ورجح عياض هذه لكن نسبها إلى مسلم خاصة وهي عند البخاري أيضا. قوله: (ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه)، قيل: ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب، ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه فنسبت إلى هرقل مجازا لكونه آمرا بها. قلت: ظاهر العبارة يقتضي أن يكون فاعل: دعا، هو هرقل، ويحتمل أن يكون الفاعل الترجمان لكون هرقل آمرا بطلبه وقراءته فلا يرتكب فيه المجاز. وعند ابن أبي شيبة في مرسل سعيد بن المسيب: أن هرقل لما قرأ الكتاب قال: هذا لم أسمعه بعد سليمان. عليه السلام، فكأنه يريد الابتداء: ببسم الله الرحمان الرحيم، وهذا يدل على أن هرقل كان عالما بأخبار أهل الكتاب. قوله: (من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر المدايني أن القارئ لما قرأ بسم الله الرحمان الرحيم. من محمد رسول الله، غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب. فقال هرقل: مالك؟ فقال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم. قال: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟ لئن كان رسول الله فهو حق أن يبدأ بنفسه. ولقد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم. قوله: (عظيم الروم) بالحر على أنه بدل من هرقل، ويجوز بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز بالنصب أيضا على الاختصاص ومعناه: من تعظمه الروم، وتقدمه للرياسة. قوله: (ثم الأريسين)، قد مضى ضبطه مشروحا وجزم ابن التين أن المراد هنا بالأريسيين أتباع عبد الله بن أريس كان في الزمن الأول بعث إليهم نبي فاتفقواكلهم على مخالفة نبيهم. فكأنه قال: عليك إن خالفت إثم الذين خالفوا نبيهم، وقيل: الأريسيون الملوك وقيل: العلماء، وقال ابن فارس: الزراعون، وهي شامية الواحد أويس وقد مر الكلام فيه مستقصى في أول الكتاب. قوله: (فلما فرغ) أي: قارىء الكتاب. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به. قلت: الذي يظهر أن الضمير في: فرغ، يرجع إلى هرقل ويؤيد. قوله: عنده بعد قوله: فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده. أي: عندهم هرقل، فحينئذ يكون حقيقة لا مجازا. قوله: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) بفتح الهمزة وكسر الميم وفتح الراء على وزن علم ومعناه، عظم وقوى أمر ابن أبي كبشة، وهذا يكون الميم وضم الراء لأنه فاعل أمر الأول. وقال الكرماني: ابن أبي كبشة كتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبهوه به في مخالفته دين آبائه. قلت: هذا توجيه بعيد. وقد مر في بدء الوحي بيان ذلك مبسوطا. قوله: (قال الزهري) أي: أحد الرواة المذكورين في الحديث: هذه قطعة من الرواية التي وقعت في يده الوحي عقيب القصة التي حكاها ابن الناطور، وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدس، فعاد جوابه يوافقه على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالفاء في قوله: فدعا فاء فصيحة، والتقدير: قال الزهري: فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاءه جوابه، فدعا الروم. قوله: (آخر الأبد) أي: إلى آخر الزمان. قوله: (فحاصوا) بالمهملتين أي: نفروا قوله: (فقال: علي بهم) أي: هاتوهم لي، يقال: علي يزيد. أي: احضروه لي. قوله: (اختبرت) أي: جربت. قوله: (الذي أحببت) أي: الشيء الذي أحببته.
(١٤٥)