أي: هذا باب في قوله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) * وله * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * هذه الآية نزلت في أصحاب الصفة وهي سقيفة كانت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، يتعلمون القرآن بالليل يرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان به فضل أتى به إليهم إذا أمسى. قوله: (للفقراء) أي: اجعلوا ما تنفقون (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) أي: الجهاد (لا يستطيعون) لاشتغالهم به (ضربا في الأرض) يعني سفرا للتسبب في المعاش. قوله: (يسبهم الجاهل) أي: الجاهل بحالهم (أغنياء من التعفف) أي: من أجل تعففهم عن المسألة. قوله: (تعرفهم) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لكل راغب في معرفة حالهم قوله: (بسيماهم) أي: بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم. صفرة الوجه ورثاثة الحال. قوله: (لا يسألون الناس) أي: من صفاتهم أن لا يسألون الناس (إلحافا) أي: إلحاحا وهو اللزوم، وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف أي: سؤالا لحاحا بمعنى: ملحا وقال بعضهم: وانتصاب: الحافا، على أنه مصدر في موضع الحال أي: لا يسألون في حال الإلحاف، أو: مفعول لأجله أي: لا يسألون لأجل الإلحاف انتهى. (قلت): ليس فيما قاله صواب إلا قوله: على أنه مصدر، فقط يفهمه من له ذوق من التصرف في الكلام. (فإن قلت) هذه الصفة تقتضي السؤال بالتلطف دون الإلحاح. وقوله: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) يقتضي نفي السؤال مطلقا. (قلت): الجواب المرضي أن يقال: لو فرض السؤال منهم لكان على وجه التلطف فلا يقتضي وجوده لأن المحال يفرض كثيرا ولا يلزم من فرضه وجوده.
يقال الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة فيحفكم يجهدكم أشار به إلى أن قوله الحف علي وألح علي وأحفاني بالمسألة بمعنى واحد، وكذا فسره أبو عبيدة، والإلحاف من قولهم: ألحفني من فضل لحافه. أي: غطاني من فضل ما عنده، وقيل: اشتقاقه من اللحاف لاشتماله على وجود الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في الغطية. قوله: (وأحفاني)، من قولهم: أحفى فلان بصاحبه وحفى به وحفي له إذا بالغ في السؤال. قوله: (فيحفكم) أشار به إلى قوله تعالى: * (ولا يسألكم أموالكم إن يسألوكموها فيحفكم تبخلوا) * (محمد: 37) وفسر قوله فيحفكم بقوله: يجهدكم يعني: يجهدكم في السؤال بالإلحاح.
4539 ح دثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني شريك بن أبي نمر أن عطاء ابن يسار وعبد الرحمان بن أبي عمرة الأنصاري قالا سمعنا أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده الثمرة والثمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرؤوا إن شئتم يعني قوله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) *.
مطابقته للترجمة ظاهرة وابن أبي مريم هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم أبو محمد المصري، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير أخو إسماعيل، وشريك بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور مر في العلم، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث مر في كتاب الزكاة في: باب قول الله تعالى: * (لا يسألون الناس إلحافا) * عن أبي هريرة من وجهين (الأول): عن حجاج بن منهال عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة (والثاني): عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (يتعفف)، أي: يحترز عن السؤال ويحسب الجاهل غنيا. قوله: (واقرؤوا إن شئتم)، يعني: قوله: (لا يسألون الناس إلحافا) قائل قوله: يعني، هو سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري، وذلك الإسماعيلي في روايته فإنه أخرجه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن زنجويه عن سعيد بن أبي مريم بسنده، وقال في آخره: (قلت): لسعيد بن أبي مريم