عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٦٨
اهتزاز العرش لموت سعد منقبة عظيمة له، وفضل بن مساور بلفظ اسم الفاعل من المساورة بالسين المهملة وهي المواثبة والمقاتلة: أبو مساور البصري من أفراد البخاري، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وهو ختن أبي عوانة، وهو كل من كان من قبل المرأة مثل: الأخ والأب، وأما العامة فختن الرجل عندهم زوج ابنته، وهو يروي عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن سليمان الأعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع المكي.
والحديث أخرجه مسلم عن عمرو الناقد. وأخرجه ابن ماجة في السنة عن علي بن محمد.
قوله: (اهتز العرش)، العرش في اللغة: السرير، فإن كان المراد به السرير الذي حمل عليه فمعنى الاهتزاز الحركة والاضطراب، وذلك فضيلة له كما كان رجف أحد فضيلة لمن كان عليه، وهو: رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن كان المراد به عرش الله تعالى فيراد منه حملته، ومعنى الاهتزاز: السرور والاستبشار بقدومه، ومنه اهتزت الأرض بالنبات إذا اخضرت وحسنت، وقال الكرماني: أقول: ويحتمل أن يكون اهتزاز نفس العرش حقيقة * (والله على كل شيء قدير) * قلت فيه تأمل وقال الطيبي قالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم سعد وجعل الله في العرش تمييزا ولا مانع منه كما قال (وإن منها لما يهبط من خشية الله) (البقرة: 842، آل عمران: 92 و 981، المائدة: 71، 91، 04، الأنفال: 14، التوبة: 93، الحشر: 6). وقال المازري: هو على حقيقته، ولا ينكر هذا من جهة العقل لأن العرش جسم والأجسام تقبل الحركة والسكون، وقيل: المراد بالاهتزاز الاستبشار، ومنه قول العرب: فلان يهتز للكرم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليه وإقباله عليه. وقال الحربي: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء، فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.
وعن الأعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقال رجل لجابر فإن فإن البراء يقول اهتز السرير فقال إنه كان بين هاذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اهتز عرش الرحمان لموت سعد بن معاذ هو عطف على الإسناد الذي قبله أي: وروى أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي صالح ذكوان الزيات عن جابر بن عبد الله، وأشار البخاري برواية الأعمش عن أبي صالح عن جابر إلى أنه لا يخرج لأبي سفيان المذكور إلا مقرونا بغيره، أو استشهادا. قوله: (مثله) أي: مثل حديث أبي سفيان عن جابر. قوله: (فقال رجل)، لم يدر من هو، قال لجابر بن عبد الله راوي الحديث كيف تقول: اهتز العرش؟ فإن البراء بن عازب يقول: اهتز السرير؟ قوله: (فقال) أي: قال جابر في جواب الرجل: إنه كان بين هذين الحيين، أي: الأوس والخزرج، ضغائن بالضاد والغين المعجمتين: جمع ضغينة وهي الحقد، وقال الخطابي: إنما قال جابر ذلك لأن سعدا كان من الأوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر بالفضل للأوس، ورد عليه بأن البراء أيضا أوسي يعرف ذلك بالنظر في نسبه لأن نسبهما ينتهي إلى الأوس، فإذا كان كذلك لا ينسب البراء إلى غرض النفس، وإنما حمل لفظ العرش على معنى يحتمله، إذ كثيرا يطلق ويراد به السرير، ولا يلزم بذلك قدح في عدالته كما لا يلزم بذلك القول قدح في عدالة جابر، وقد روى اهتزاز العرش لسعد عن جماعة غير جابر منهم: أبو سعيد الخدري وأسيد بن حضير ورميثة، وأسماء بنت يزيد بن السكن وعبد الله بن بدر وابن عمر بلفظ: (اهتز العرش فرحا بسعد)، ذكرها الحاكم، وحذيفة بن اليمان وعائشة عند ابن سعد، والحسن ويزيد بن الأصم مرسلا، وسعد بن أبي وقاص في كتاب أبي عروبة الحراني. وفي (الإكليل) بسند صحيح: (إن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض سعد، فقال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر بموته أهلها؟) وعند الترمذي مصححا عن أنس: (لما حملت جنازة سعد، قال المنافقون: ما أخف جنازته)، وذلك لحكمه في بني قريظة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الملائكة كانت تحمله)، زاد ابن سعد في (الطبقات): لما قال المنافقون ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم)، وكان رجلا جسيما، وكان يفوح من قبره رائحة المسك، وأخذ إنسان قبضة من تراب قبره فذهب بها، ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك.
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»