عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٦٦
ما يبكيكم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، أي: بما شاهد من بكائهم. قوله: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم)، القائل يحتمل أن يكون القائل ما يبكيكم، ويحتمل أن يكون الراوي، وهو أنس، رضي الله تعالى عنه، وهذا هو الأظهر قوله: (وقد عصب)، الواو فيه للحال، و: عصب، بتخفيف الصاد ومصدره عصب وهو متعد، وكذا عصب بالتشديد ومصدره تعصيب، يقال: عصب رأسه بالعصابة تعصيبا. قوله: (حاشية برد)، بالنصب مفعول: عصب، وفي رواية المستملي: حاشة بردة، والبرد نوع من الثياب معروف، والجمع: أبراد وبرود، والبردة الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع تلبسه الأعراب وجمعها: برد. قوله: (كرشي)، بفتح الكاف وكسر الراء (وعيبتي) بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، والكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة مستودع الثياب، والأول أمر باطن والثاني ظاهر، فيحتمل أنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأمورهم الظاهرة والباطنة. وقال الخطابي: يريد أنهم بطانتي وخاصتي، ومثله بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، وقد يكون المراد بالكرش أهل الرجل وعياله، والعيبة التي يخزن فيها المرء حرثيا به، أي: أنهم موضع سره وأمانته. وقال ابن دريد: هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم، الموجز الذي لم يسبق إليه. قوله: (قد قضوا الذي عليهم)، وهو ما وقع لهم من المبايعة ليلة العقبة، فإنهم كانوا بايعوا على أن يؤوا النبي صلى الله عليه وسلم، وينصروه على أن لهم الجنة، فوفوا بذلك. قوله: (وبقي الذي لهم)، وهو دخول الجنة. قوله: (فأقبلوا) أي: إذا كان الأمر كذلك فأقبلوا (من محسنهم) أي: من محسن الأنصار. قوله: (وتجاوزوا)، قد ذكرنا أن معناه: لا تؤاخذوهم بالإساءة، والتجاوز عن المسئ مخصوص بغير الحدود، وفيه وصية عظيمة لأجلهم، وفضيلة عزيزة لهم.
0083 حدثنا أحمهد بن يعقوب حدثنا ابن الغسيل سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. (انظر الحديث 729 وطرفه).
مطابقته للترجمة في آخر الحديث وأحمد بن يعقوب أبو يعقوب المسعودي الكوفي، وهو من أفراده، وابن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة.
والحديث مضى في كتاب صلاة الجمعة في: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل بن أبان عن ابن الغسيل.
قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي: من البيت إلى المسجد. قوله: (وعليه) الواو فيه للحال. قوله: (متعطفا) نصب على الحال، أي: مرتديا والعطاف الرداء. قوله: (بها) أي: بالملحفة. قوله: (وعليه) الواو فيه أيضا للحال. قوله: (عصابة دسماء) العصابة بالكسر ما يعصب به الرأس من عمامة أو منديل أو خرقة، والدسماء السوداء، ومنه الحديث الآخر، خرج وقد عصب رأسه بعصابة دسمة، وقال الداودي: الدسماء الوسخة من العرق والغبار. قوله: (فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار)، لأن الأنصار هم الذين سمعوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونصروه وهذا أمر قد انقضى زمانه لا يلحقهم اللاحق ولا يدرك شاوهم السابق، وكلما مضى منهم أحد مضى من غير بدل، فيكثر غيرهم ويقلون. قوله: (حتى يكونوا كالملح في الطعام) يعني من القلة، ووجه التشبيه بين الأنصار والملح هو أن الملح جزء يسير من الطعام وفيه إصلاحه، فكذلك الأنصار وأولادهم من بعدهم، جزء يسير بالنسبة إلى المهاجرين وأولادهم الذين انتشروا في البلاد وملكوا الأقاليم، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم، مخاطبا للمهاجرين: (فمن ولي منكم أمرا يضر فيه) أي: في ذلك الأمر (أحدا أو ينفعه فليقبل من محسنهم) أي: محسن الأنصار، والذين ملكوا من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، من الخلفاء الراشدين كلهم من المهاجرين، وكذلك من بني أمية ومن بني العباس كلهم من أولاد المهاجرين.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»