عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٩٢
والنساء جميعا، وإن كانت أنثى شقوا أذنها وتلك البحيرة لا يجز لها وبر ولا يذكر عليها اسم الله، عز وجل، إن ركبت ولا إن حمل عليها، وحرمت على الناس فلا يذقن من لبنها شيئا، ولا ينتفعن بها، وكان لبنها ومنافعها خاصة للرجال دون النساء حتى تموت، فإذا ماتت اشترك الرجال والنساء في أكلها.
قوله: (قال: وقال أبو هريرة) أي: قال سعيد بن المسيب: وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم... إلى آخره. وهو موصول بالإسناد الأول. قوله: (يجر قصبه)، بضم القاف وسكون الصاد المهملة، وهي: الأمعاء. وقال ابن الأثير: القصب بالضم المعاء وجمعه أقصاب، وقيل: القصب اسم للأمعاء كلها، وقيل: هو ما كان أسفل البطن من الأمعاء. قوله: (وكان)، أي: عمرو بن عامر (أول من سيب السوائب)، وهو جمع، وروى محمد بن إسحاق بسند صحيح: عن محمد بن إبراهيم التيمي: أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول لأكتم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، إنه أول من غير دين إسماعيل، عليه الصلاة والسلام، فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال: وحدثني بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق، فرآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه نعبدها ونستمطر بها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل، فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. ويقال: كان عمرو بن لحي، حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة، جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة، لأنه كان يطعم الناس ويكسو في المواسم، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى إنه اللات الذي يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى صخرة اللات، ويقال: إن اللات كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت ولكنه دخل في الصخرة، ثم أمرهم بعبادتها وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات، ودام أمر عمرو وأمر ولده علي هذا بمكة ثلاثمائة سنة، وذكر أبو الوليد الأزرقي في (أخبار مكة): أن عمرا فقأ عين عشرين بعيرا وكانوا من بلغت إبله ألفا فقأ عين بعير، وإذا بلغت ألفين فقأ العين الأخرى، قال الراجز:
* وكان شكر القوم عند المننكي الصحيحات وفقأ الأعين * وهو الذي زاد في التلبية: إلا شريكا هو لك تملكه، وملك، وذلك أن الشيطان تمثل في صورة شيخ يلبي معه، فقال عمرو: لبيك لا شريك لك، قال الشيخ: إلا شريكا هو لك، فأنكر ذلك عمرو بن لحي، فقال: ما هذا؟ فقال الشيخ: تملكه وما ملك، فإنه لا بأس به، فقالها عمرو فدانت بها العرب.
وأما تفسير الوصيلة في رواية ابن إسحاق: فهي الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وأهدوه للآلهة، وإن كانت أنثى استحيوها، وإن كانت ذكرا وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى. وقالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوهما. وقال مقاتل: وكانت المنفعة للرجال دون النساء، فإن وضعت ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء، قال الله تعالى: * (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) * (الأنعام: 931). وأما الحام: فهو الفحل إذا ركب ولد ولده فبلغ ذلك عشرة أو أقل من ذلك قيل: حمي ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ولا ينحر أبدا إلى أن يموت فتأكله الرجال والنساء.
21 ((باب قصة زمزم وجهل العرب)) أي: هذا باب في قصة زمزم وجهل العرب، هكذا وقع لأبي ذر، وفي رواية غيره ما وقع إلا: باب جهل العرب، فقط، وهو الصواب لأنه لم يذكر فيه أصلا زمزم، وما يتعلق به، وقد وقع في بعض النسخ: باب قصة إسلام أبي ذر قبل هذا الباب.
4253 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * (الأنعام: 041). إلى قوله * (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) * (الأنعام: 041).
مطابقته للترجمة في قوله: (جهل العرب) وأما الجزء الأول منها فلا ذكر له هنا أصلا كما ذكرنا آنفا. وأبو النعمان محمد ابن الفضل السدوسي وأبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح اليشكري، وأبو بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: واسمه جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري.
والحديث من أفراد البخاري، ورواه ابن مردويه في (تفسيره): حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أيوب حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.
قوله: (إذا سرك)، من سره الأمر سرورا، إذا فرح به. قوله: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) *) وقد أخبر الله تعالى: * (أن الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * (الأنعام: 041). أي: من غير علم أتاهم في ذلك * (وحرموا ما رزقهم الله) * (الأنعام: 041). من الأنعام والحرث * (افتراء على الله) * (الأنعام: 041). حيث قالوا: إن الله أمركم بهذا قد ضلوا في ذلك وخسروا في الدنيا والآخرة . وأما في الدنيا: فخسروا أولادهم بقتلهم وضيقوا عليهم في أموالهم وحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم. وأما في الآخرة: فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم، وعن ابن عباس: نزلت هذه الآية في ربيعة ومضر والذين كانوا يدفنون بناتهم أحياء في الجاهلية من العرب، قال قتادة: كان أهل الجاهلية يقتلون بناتهم مخافة السبي عليهم والفاقة، إلا ما كان من بني كنانة فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك.
31 ((باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام أو الجاهلية)) أي: هذا باب في بيان جواز انتساب من انتسب إلى آبائه الذين مضوا في الإسلام أو في الجاهلية، وكره بعضهم ذلك مطلقا، ومحل الكراهة إنما كان إذا ذكره على طريق المفاخرة والمشاجرة، وقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى في (مسنديهما) بإسناد حسن من حديث أبي ريحانة رفعه: من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يزيدهم عزا وكرامة فهو عاشرهم في النار.
وقال ابن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله مطابقته للجزء الأول من الترجمة، وهو قوله: (في الإسلام)، ظاهرة لأنه، صلى الله عليه وسلم لما نسب يوسف إلى آبائه كان ذلك دليلا على جوازه لغيره في مثل ذلك، وأما تعليق عبد الله بن عمرو أبي هريرة فقد مر كلاهما في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»