عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٥
يسرو، وسرى بالكسر يسري سروا فيهما، وسر ويسر وسراوة، أي: صار سريا. قال الجوهري: جمع السري سراة وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره. (وجرحوا) بضم الجيم وكسر الراء، من الجرح، ويروى: وحرجوا بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالجيم من: الحرج، وهو في الأصل: الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وقيل: الحرج أضيق الضيق. قوله: (فقدمه الله) أي: فقدم الله ذلك اليوم. (لرسوله) أي: لأجله. قوله: (في دخولهم في الإسلام) كلمة: في، هنا للتعليل أي: لأجل دخولهم، أي: دخول الأنصار الذين بقوا من الذين قتلوا يوم بعاث في الإسلام، وجاء في بمعنى التعليل في القرآن والحديث، أما القرآن فقوله تعالى: * (فذلكن الذي لمتنني فيه) * (يوسف: 23). وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن امرأة دخلت النار في الهرة).
8773 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه يقول قالت الأنصار يوم فتح مكة وأعطى قريشا والله إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار قال فقال ما الذي بلغني عنكم وكانوا لا يكذبون فقالوا هو الذي بلغك قال أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم..
مطابقته للترجمة في قوله: (قال: أولا ترضون...) إلى آخره، فإن فيه منقبة عظيمة لهم. وأبو الوليد هشام بن عبد الملك، وأبو التياح، بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة: واسمه يزيد بن حميد الضبعي البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن الوليد. وأخرجه النسائي في المناقب عن إسحاق بن إبراهيم.
قوله: (يوم فتح مكة)، يعني: عام فتح مكة، لأن الغنائم المشار إليها كانت غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين. قوله: (وأعطى قريشا)، الواو فيه للحال. قوله: (والله) إلى قوله: (ترد عليهم) مقول الأنصار. قوله: (إن هذا) إشارة إلى الإعطاء الذي دل عليه، قوله: وأعطى قريشا. قوله: (إن سيوفنا تقطر من دماء قريش) فيه من أنواع البديع القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض، والأصل: دماؤهم تقطر من سيوفنا، هكذا قالوا: ويجوز أن يكون على الأصل، ويكون المعنى: إن سيوفنا من كثرة ما أصابها من دماء قريش تقطر دماءهم. قوله: (وكانوا لا يكذبون) يعني الأنصار. قوله: (هو الذي بلغك) يعني: الذي بلغك نحن قلناه ولا ننكر. قوله: (لسلكت) أراد بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الجوار والوفاء بالعهد، لا متابعة لهم، لأنه هو المتبوع المطاع المفترض الطاعة والمتابعة له واجبة على كل مؤمن ومؤمنة. قوله: (أو شعبهم) بكسر الشين وسكون العين المهملة: وهو الطريق في الجبل، ويجمع على: شعاب، وأما الشعب، بالفتح فهو: ما تشعب من قبائل العرب والعجم، ويجمع على: شعوب.
2 ((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت من الأنصار قاله عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم)) أي: هذا باب يذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره. وقال محيي السنة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي، ومعناه: لولا أن الهجرة أمر ديني وعبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم، والغرض منه التعريض بأنه لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغا لولا أنه من المهاجرين لعد نفسه من الأنصار، رضي الله تعالى عنهم، وتلخيصه: لولا فضلي على الأنصار بالهجرة لكنت واحدا منهم. قوله: (قاله عبد الله بن زيد) أي: ابن عاصم بن كعب أبو محمد الأنصاري البخاري المازني، رضي الله تعالى عنه، وأخرج هذا المعلق بتمامه موصولا في المغازي في: باب غزوة الطائف، عن موسى بن إسماعيل عن وهيب
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»