ابن عبد الله الشعبي، وقيل: شمر بن ذي الجوشن، وقيل: سنان بن أبي أوس بن عمرو النخعي، وهو الأشهر، فأخذ رأس الحسين ودفعه إلى خولي بن يزيد، وكان سنان طعنه فوقع، ثم قال لخولي: احتز رأسه، فأراد أن يفعل فارعد وضعف، فقال له سنان: فت الله عضدك، وأبان يديك، فنزل إليه فذبحه، وكان ذلك يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، ثم حملوا رأس الحسين ورؤوس القتلى من أصحابه إلى عبيد الله بن زياد وهو بالكوفة، وكانت الرؤوس اثنين وسبعين رأسا حمل خولي بن يزيد رأس الحسين، وحملت كندة ثلاثة عشر رأسا، وهوازن عشرين، وبنو تميم عشرين، وبنو أسد سبعة، ومذحج أحد عشر، وكان مع الرؤوس والسبايا شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس. فاقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد، ثم نذكر الآن ما جرى بعد أن قدموا برأس الحسين على هذا اللعين عبيد الله ابن زياد.
قوله: (فجعل)، على صيغة المجهول أي: جعل رأس الحسين، رضي الله تعالى عنه، في طست، بفتح الطاء المهملة وسكون السين المهملة، قال الجوهري: الطست الطس بلغة طي أبدل من إحدى السينين تاء للاستثقال، وفي (المغرب) بالشين المعجمة: الطشت مؤنثة، وهي أعجمية، والطس تعريبها، والجمع طشاش وطشوش، وقد يقال: الطشوت. قوله: (فجعل ينكت)، أي: فجعل عبيد الله بن زياد ينكت أي: يضرب بقضيب على الأرض فيؤثر فيها، وهو بالتاء المثناة من فوق، وفي رواية الترمذي وابن حبان من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس: فجعل يقول بقضيب له في أنفه، وفي رواية الطبراني من حديث زيد بن أرقم: فجعل يجعل قضيبا في يده في عينيه وأنفه، فقلت: أرفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله، صلى الله عليه وسلم في موضعه. قوله: فقال في حسنه شيئا. وفي رواية الترمذي، رحمه الله: ما رأيت مثل هذا حسنا، لم يذكر، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي: أشبه أهل البيت، وزاد البزار من وجه آخر عن أنس، قال: فقلت له: إني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلثم حيث يقع قضيبك، قال: فانقبض. انتهى. وقال سبط ابن الجوزي: أما كان لرسول الله، صلى الله عليه وسلم على أنس من الحقوق أن ينكر على ابن زياد فعله ويقبح له ما وقع من قرع ثنايا الحسين بالقضيب؟ لكن الفحل زيد بن أرقم فإنه أنكر عليه، فروى الطبري عن أبي محنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم، قال: شهدت ابن زياد وهو ينكث بقضيب بين ثنيتيه ساعة، فلما رآه زيد بن أرقم لاهجه عن نكثه بالقضيب ، فقال له: أعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضح الشيخ يبكي. فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فقام وخرج فسمعت الناس يقولون: والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله، فقلت: ما الذي قال؟ قال: مر بنا وهو يقول: أنتم يا معاشر العرب عبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فبعدا لمن رضي بالذل والعار. قلت: فلله ذر زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي من أعيان الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب وكان من خواص أصحابه، ومات بالكوفة سنة ست وستين، وقيل: ثمان وستين، ثم إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم عبيد الله بن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها: الجازر، بينها وبين الموصل خمسة فراسخ، وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد، ولما قتل ابن زياد جيء برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار، وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه، وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس، ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية، وقيل: إلى عبد الله بن الزبير، فنصبها بمكة وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثث الباقين. قوله: (وكان) أي: الحسين (مخضوبا بالوسمة) بفتح الواو وسكون السين المهملة، وجاء فتحها وهو نبت يختضب به يميل إلى سواد.