الموحدة، وقال الجوهري: برائل الديك عفرته، وهو الريش الذي يستدير في عنقه، ولم يذكر برلا، وقد برأل الديك برألة: إذا نفش برائله، وعيش أغرل بالغين المعجمة، ورجل غرل، بفتح الغين المعجمة وكسر الراء: مسترخي الخلق بالخاء المعجمة. فإن قلت: ما فائدة الغلفة يوم القيامة؟ قلت: المقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم. وقال ابن الجوزي: لذة جماع الأقلف تزيد على لذة جماع المختون، وقال ابن عقيل: بشرة حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون بشرتها أرق وموضع الحس كلما رق كان الحس أصدق كراحة الكف، إذا كانت موقاة من الأعمال صلحت للحس، وإذا كانت يد قصار أو نجار خفي فيها الحس، فلما أبانوا في الدنيا تلك البضعة لأجله أعادها الله ليذيقها من حلاوة فضله، قال: والسر في الختان، مع أن القلفة معفو عن ما تحتها من النجس، أنه سنة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي سعيد: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها، ورواه ابن حبان أيضا وصححه، وروى الترمذي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنكم تحشرون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم، ففيها معارضة لحديث الباب ظاهرا. قلت: أجيب بأنهم يبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها، ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم فيحشرون عراة أو بعضهم يأتون إلى موقف الحساب عراة ثم يكسون من ثياب الجنة، وبعضهم حمل قوله: يبعثون في ثيابه، على الأعمال، أي: في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر. قال تعالى: * (ولباس التقوى ذلك خير) * (الأعراف: 62). وقال تعالى: * (وثيابك فطهر) * (المدثر: 3). أي: عملك أخلصه، وروى مسلم عن جابر، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: يبعث كل عبد على ما مات عليه، وحمله بعضهم على الشهداء الذين أمر صلى الله عليه وسلم بأن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا بها، ولا يغير شيء من حالهم، وقالوا: يحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهداء فتأوله على العموم، وقال بعضهم: ومما يدل على حديث الباب قوله تعالى: * (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * (الأنعام: 49). وقوله تعالى: * (كما بدأكم تعودون) * (الأعراف: 92). ولا ملابس يومئذ إلا في الجنة، وذهب الغزالي إلى حديث أبي سعيد واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: بالغوا في أكفان موتاكم، فإن أمتي تحشر في أكفانها، وسائر الأمم عراة، رواه أبو سفيان مسندا. وأجيب: عنه، على تقدير صحته: إنه محمول على أمتي الشهداء، واحتج الغزالي أيضا بما رواه أبو نصر الوائلي في (الإبانة): من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يتباهون بها ويتزاورون في قبورهم. وأجيب: بأن ذلك يكون في البرزخ، كما في نفس الحديث، فإذا قاموا خرجوا، كما في حديث ابن عباس: إلا الشهداء. قوله: ثم قرأ قوله تعالى: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * (الأنبياء: 401). الآية، وأولها هو قوله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * (الأنبياء: 401). أي: يوم نطوي السماء طيا كطي السجل الصحيفة للكتاب المكتوب، وعن علي وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم: السجل ملك يطوي كتب ابن آدم إذا رفعت إليه، وعن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: السجل كاتب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا السجل يعني: الرجل، فعلى هذه الأقوال: الكتاب اسم الصحيفة المكتوب فيها. قوله: * (أول خلق) * (الأنبياء: 401). مفعول لقوله: نعيد، الذي يفسره: نعيده، الذي بعده، والكاف مكفوفة بما، والمعنى: نعيد أول خلق كما بدأناه، تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء، وقيل: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا، كذلك نعيدهم يوم القيامة نظيرها. قوله: (وعدا) مصدر مؤكد، لأن قوله: نعيده، عدة للإعادة. قوله: (إنا كنا فاعلين) أي: قادرين على ما نشاء أن نفعل، وقيل: معناه: إنا كنا فاعلين ما وعدناه. قوله: (وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم)، فيه منقبة، ظاهره له فضيلة عظيمة وخصوصية، كما خص موسى، عليه الصلاة والسلام بأنه صلى الله عليه وسلم يجده متعلقا بساق العرش، مع أن سيد الأمة أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكون أفضل منه، بل هو أفضل من في القيامة، ولا يلزم من اختصاص الشخص بفضيلة كونه أفضل مطلقا، أو المراد غير المتكلم بذلك، لأن قوما من أهل الأصول ذكروا أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطابه، وروى ابن المبارك في (رقائقه): من حديث عبد الله بن الحارث عن علي، رضي الله تعالى عنه: أول من يكسى خليل الله قبطيتين، ثم يكسى محمد حلة حبرة عن يمين
(٢٤٢)