عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٤٠
قوله تعالى: * (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 561). وسبب تسميته خليلا ما ذكره ابن جرير في (تفسيره): عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحية جدب، فأرسل إلى خليل له من أهل الموصل، وقيل: من أهل مصر، ليمتار طعاما لأهله من قبله، فلم يصب عنده حاجته، فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمال فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا أغم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة، وليظنوا إني أتيتهم بما يحبون، ففعل ذلك، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقا، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا نقيا، فعجنوا منه وخبزوه، فاستيقظ فسألهم عن الذقيق الذي خبزوا منه، فقالوا: من الدقيق الذي جئتنا به من عند خليلك، فقال: نعم هو من خليلي الله، فسماه الله تعالى بذلك خليلا. وقيل: إنما سمي خليلا لشدة محبة ربه عز وجل لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها، وقيل: جاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله اتخذني خليلا كما اتخذ الله إبراهيم خليلا. وقال ابن أبي حاتم، بإسناده إلى عبد الله بن عمير، قال: كان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، يضيف الناس، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما، فقال: يا عبد الله! ما أدخلك داري بغير إذني؟ فقال: دخلتها بإذن ربها، قال: ومن أنت، قال: ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا، قال: من هو؟ فوالله إن أخبرتني به، ثم كان بأقصى البلاد لآتيته ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذلك العبد أنت قال: نعم! قال: فبم اتخذني ربي خليلا؟ قال: إنك تعطي الناس ولا تسألهم.
واختلفوا في نسبه؟ فقيل: إنه إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالح بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، حكاه السدي عن أشياخه، وقد أسقط ذكر: قينان، من عمود النسب بسبب أنه كان ساحرا، وقيل: إبراهيم بن تارخ بن أسوع بن أرغو بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، وقيل: إبراهيم بن آزر بن الناجر بن سارغ بن والغ بن القاسم، الذي قسم الأرض ابن عبير بن شالخ بن واقد بن فالخ، وهو سام. وقيل: آزر بن صاروج بن راغو بن فالغ بن إرفخشذ. وقال الثعلبي: كان اسم أب إبراهيم الذي سماه أبوه: تارخ، فلما صار مع نمرود قيما على خزانة آلهته سماه: آزر، وقيل: آزر اسم صنم، وقال ابن إسحاق: إنه لقب له عيب به، ومعناه: معوج، وقيل: هو بالقبطية الشيخ الهرم، وقال الجوهري: آزر اسم أعجمي، وقال البلاذري عن الشرفي بن القطامي: إن معنى آزر: السيد المعين، وقال وهب: اسم أم إبراهيم نونا بنت كرنبا من بني سام بن نوح، وقال هشام: لم يكن بين نوح وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، إلا هود وصالح، عليهما الصلاة والسلام، وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة، وبين نوح وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، ألف ومائة وثلاثة وأربعون سنة. وقال الثعلبي: وكان بين مولد إبراهيم وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثون سنة، وكان مولد إبراهيم في زمن نمرود بن كنعان، لعنه الله تعالى، ولكن اختلفوا في أي مكان ولد؟ فقيل: ببابل من أرض السواد مدينة نمرود، قاله ابن عباس، وعن مجاهد: بكوثا محلة بكوفة، وعن عكرمة: بالسوس، وعن السدي: بين البصرة والكوفة، وعن الربيع بن أنس: بكسكر ثم نقله أبوه إلى كوثا، وعن وهب: بحران، والصحيح الأول، وقال محمد بن سعد في (الطبقات) كنية إبراهيم أبو الأضياف، وقد سماه الله بأسماء كثيرة منها: الأواه والحليم والمنيب، قال الله تعالى: * (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * (هود: 57). ومنها: الحنيف وهو المائل إلى الدين الحق، ومنها: القانت والشاكر إلى غير ذلك. قلت: هذه أوصاف له في الحقيقة، ومات إبراهيم وعمره مائتي سنة، وهو الأصح، ويقال: مائة وخمسة وسبعون سنة، قاله الكلبي، وقال مقاتل: مائة وتسعون سنة، ودفن بالمغارة التي في جبرون وهي الآن تسمى بمدينة الخليل، ومعنى: إبراهيم: أب رحيم، لرحمته الأطفال، ولذلك جعل هو وسارة كافلين لأطفال المؤمنين الذين يموتون إلى يوم القيامة، وسيأتي عن قريب، وقال الجواليقي: إبراهيم وأبرهم وإبراهم وإبراهام.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»