عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٢٦
بجسده وحال يقظته استحالة، وقال ابن عباس: هي رؤيا عين رآها لا رؤيا منام. وأما قول عائشة: ما فقد جسده، فلم يحدث عن مشاهدة لأنها لم تكن حينئذ زوجة ولا في سن من يضبط، ولعلها لم تكن ولدت، فإذا كان كذلك تكون قد حدثت بذلك عن غيرها، فلا يرجح خبرها على خبر غيرها، وقال الحافظ عبد الحق في (الجمع بين الصحيحين): وما روى شريك عن أنس أنه كان نائما، فهو زيادة مجهولة، وقد روى الحفاظ المتقنون والأئمة المشهورون كابن شهاب وثابت البناني وقتادة عن أنس، ولم يأت أحد منهم بها، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. قوله: (وذكر) أي: رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (فأتايت) على صيغة المجهول، قوله: (بطست) الطست مؤنثة وجمعها طسوس وجاء بكسر الطاء، ويقال: طس بتشديد السين. قوله: (ملىء) على صيغة المجهول من الماضي والتذكير باعتبار الإناء، وفي رواية الكشميهني: ملآى، وفي رواية غيره: ملآن، فالحاصل أن فيه ثلاث روايات. قوله: (حكمة وإيمانا) قال الكرماني: هما معنيان، والإفراغ صفة الأجسام. قلت: كان في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيمانا وحكمة، لكونه سببا لهما. وقال الطيبي: لعبه من باب التمثيل أو تمثل له المعاني كما تمثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها. قوله: (فشق من النحر إلى مراق البطن) النحر الصدر ومراق، بفتح الميم وتخفيف الراء وتشديد القاف: وهو ما سفل من البطن ورق من جلده، وأصله مراقق، وسميت بذلك لأنها موضع رقة الجلد، وقال الطيبي: ما ذكر من شق الصدر واستخراج القلب وما يجري مجراه، فإن السبيل في ذلك التسليم دون التعرض بصرفه إلى وجه يتقوله متكلف ادعاء للتوفيق بين المنقول والمعقول تبروءا مما يتوهم أنه محال، ونحن بحمد الله لا نرى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصادق عن الأمر المحال به على القدرة. واعلم أن هذا الشق غير الشق الذي كان في زمن صغره، فعلم أن الشق كان مرتين. قوله: (وأتيت بدابة أبيض) إنما قال: أبيض، ولم يقل: بيضاء، لأنه أعاده على المعنى أي: بمركوب أو براق. قوله: (البراق) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو براق، ويجوز بالجر على أنه بدل من دابة، والبراق اسم للدابة التي ركبها صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. وقال ابن دريد: اشتقاقه من البرق، إن شاء الله، لسرعته. وقيل: سمي به لشدة صفائه وتلألؤ لونه، ويقال: شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود، فيحتمل التسمية به لكونه ذا لونين، وذكر ابن أبي خالد في كتاب (الاحتفال في أسماء الخيل وصفاتها): أن البراق ليس بذكر ولا أنثى، ووجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الفرس، وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال، وقال ابن إسحاق: البراق دابة أبيض وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع حافره في منتهى طرفه، وقال الزبيدي في (مختصر العين) وصاحب (التحرير): هي دابة كانت الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يركبونها. وقال الطيبي: وهذا الذي قالاه يحتاج إلى نقل صحيح، ثم قال: لعلهم حسبوا ذلك في قوله في حديث آخر: فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء البراق، وأظهر منه حديث أنس في حديث آخر: قول جبريل، عليه الصلاة والسلام، للبراق: فما ركبك أحد أكرم على الله منه. وعن قتادة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم لما أراد الركوب على البراق شمس فوضع جبريل، عليه الصلاة والسلام، يده على مفرقته ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصنع؟ فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه. قال: فاستحيى حتى ارفض عرقا، ثم قر حتى ركبه. وقال ابن بطال في سبب نفرة البراق بعد عهده بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وطول الفترة بين عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام. وقال غيره: قال جبريل، عليه الصلاة والسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم حين شمس به البراق: لعلك يا محمد مسست الصفراء اليوم يعني: الذهب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلمأنه ما مسها إلا أنه مر بها، فقال: تبا لمن يعبدك من دون الله، وما شمس إلا لذلك، ذكره السهيلي. وسمع العبد الضعيف من بعض مشايخه الثقات أنه إنما شمس ليعد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالركوب عليه يوم القيامة، فلما وعد له ذلك قر. وفي (صحيح ابن حبان): أن جبرائيل، عليه الصلاة والسلام، حمله صلى الله عليه وسلم على البراق رديفا له ثم رجعا ولم يصل فيه أي: في بيت المقدس، ولو صلى لكانت سنة، وهو من أظرف ما يستدل به على الإرداف. وفي حديث أنس وغيره أنه صلى، وأنكر ذلك حذيفة، وقال: والله ما زالا عن ظهر البراق حتى رجعا. وأخرج البيهقي حديث الإسراء من حديث شداد بن أوس وفيه: أنه صلى تلك الليلة ببيت لحم. قوله: (حتى أتينا السماء الدنيا) لم يذكر فيه مجيئه إلى القدس، وقد قال الله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * (لإسراء: 1). الآية، ذكر أهل السير، والمفسرون
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»