عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٢٥
النيل والفرات ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك فسله فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسا فقال مثله قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن فيه ذكر جبريل صريحا وهو من الكروبيين وهم سادة الملائكة.
ذكر رجاله وهم تسعة: الأول: هدبة، بضم الهاء وسكون الدال وبالباء الموحدة: ابن خالد بن أبي الأسود القيسي البصري، ويقال: هداب. الثاني: همام بن يحيى بن دينار العوذي، بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة. الثالث: قتادة بن دعامة. الرابع: خليفة ابن خياط أبو عمرو العصفري. الخامس: يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي البصري. السادس: سعيد بن أبي عروبة واسمه مهران اليشكري. السابع: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. الثامن: أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه. التاسع: مالك بن صعصعة الأنصاري، رضي الله تعالى عنه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري مقطعا في أربعة مواضع بعضها في بدء الخلق عن هدبة وخليفة، وبعضها في الأنبياء عن هدبة أيضا وفي بعض النسخ عن عباد بن أبي يعلى. وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى عن ابن أبي عدي وعن أبي موسى عن معاذ. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار وابن أبي عدي. وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وعن إسماعيل ابن مسعود وغيرهم.
ذكر معناه: قوله: (عن قتادة (ح) وقال لي خليفة) كلمة (ح) إشارة إلى التحويل من إسناد إلى آخر قبل ذكر الحديث، وقيل إلى الحائل بين السندين، وإنما قال: قال لي خليفة، ولم يقل: حدثني، إشعارا بأنه سمع منه عند المذاكرة لا على طريق التحميل والتبليغ. قوله: (عند البيت)، أي: الكعبة. وقد مر في أول كتاب الصلاة في رواية أبي ذر أنه قال: فرج عن سقف بيتي، والتوفيق بينهما هو أن الأصح كان له صلى الله عليه وسلم معراجان، أو دخل بيته ثم عرج بين النائم واليقظان، وظاهر حديث أبي ذر الذي مضى في أول كتاب الصلاة: أنه كان في اليقظة إذ هو مطلق الإطلاق، وهو المطابق لما في (مسند أحمد) عن ابن عباس: أنه كان في اليقظة رآه بعينه، والتوفيق بينهما بأن يقال: إن كان الإسراء مرتين أو أكثر فلا إشكال فيه، وإن كان واحدا فالحق أنه كان في اليقظة بجسده، لأنه قد أنكرته قريش، وإنما ينكر إن كان في اليقظة، إذ الرؤيا لا تنكر ولو بأبعد منه. وقال القاضي عياض: اختلفوا في الإسراء إلى السماوات، فقيل: إنه في المنام، والحق الذي عليه الجمهور أنه أسري بجسده. قلت: اختلفوا فيه على ثلاث مقالات: فذهبت طائفة إلى أنه كان في المنام مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وحي وحق وإلى هذا ذهب معاوية. وحكي عن الحسن، والمشهور عنه خلافه، واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، ما فقد جسد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبقوله: بينا أنا نائم، وبقول أنس: وهو نائم في المسجد الحرام، وذكر القصة، وقال في آخرها: فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام. وذهب معظم السلف إلى أنه كان بجسده وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم وعدد في (الشفاء) عشرين نفسا قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين. وذهبت طائفة إلى أن الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، والصحيح أنه أسري بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه يدل قوله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * (الإسراء: 1). إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده ولم يقل بعبده، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»