وهي موضع من جهة نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، وكانت غزوتها سنة أربع. قوله: (على رعل)، بدل من الذين قتلوا بإعادة العامل. قوله: (ثم نسخ)، معناه سقط ذكره لتقادم عهده إلا أن يذكر بطريق الرواية، وليس معناه النسخ الذين بدل مكانه خلافه، لأن الخبر لا يدخله نسخ، والقرآن ربما نسخ لفظه، وبقي حكمه مثل: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ومعنى النسخ هنا أنه أسقط لفظه من التلاوة. قال السهيلي: هذا المذكور، أعني: ما نزل، نسخ وليس عليه رونق الإعجاز. قوله: (رضينا عنه)، وقد تقدم بلفظ أرضانا، والحال لا يخلو من أحدهما. وأجيب: بأن القرآن المنسوخ يجوز نقله بالمعنى. وقال المهلب: في الحديث دلالة على أن من قتل غدرا فهو شهيد، لأن أصحاب بئر معونة قتلوا غدرا.
واختلف الناس في كيفية حياة الشهيد، فقال ابن بطال: إن الأرواح ترزق، وكذا جاء الخبر في (صحيح ابن حبان): إنما نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة، قال أهل اللغة: يعني تأكل منها. قال ابن قرقول: بضم اللام، أي: تتناوله، وقيل: تشمه. وهذا الحديث عام وقد خصه القرآن العزيز باشتراط الشهادة. وقال الداودي: أرواح الشهداء في حواصل طير، وقال ابن التين: هذا لا يصح في العقل، ولا في الاعتبار، لأنها إن كانت هي أرواح الطير فكيف تكون في الحواصل دون سائر الجسد، وإن كان لها أرواح غيرها فكيف يكون لها روحان في جسد؟ وكيف تصل لهم الأرزاق التي ذكر الله عز وجل. انتهى. وفيه نظر، لأن مسلما أخرج في (صحيحه): عن محمد بن عبد الله بن نمير أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: * (ولا تحسبن الذين قتلوا...) * (آل عمران: 971). الآية، فقال: إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل... الحديث، وروى الحاكم على شرط مسلم من حديث، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد..) الحديث، ذكرناه عن قريب، وروى ابن أبي عاصم من حديث ابن مسعود: (أن الثمانية عشر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعل الله أرواحهم في الجنة في طير خضر)، وفي لفظ: (أرواح الشهداء عند الله كطير خضر في قناديل تحت العرش). ومن حديث عطية عن أبي سعيد، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة ثم تكون مأواها قناديل معلقة بالعرش. ومن حديث موسى بن عبيدة الربذي عن عبيد الله بن يزيد عن أم قلابة، أظنها أم مبشر، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن أرواح المؤمنين طير خضر في حجر من الجنة، يأكلون من الجنة ويشربون من الجنة، وبسند صحيح إلى كعب بن مالك يرفعه أرواح الشهداء في طير خضر)، وعند مالك في (الموطأ): نسمة المؤمن طائر. وتأول بعض العلماء لفظ: في، في قوله: في جوف طير، بمعنى: على، فيكون المعنى: أرواحهم على جوف طير خضر، كما في قوله: * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * (طه: 17). أي: على جذوع النخل. وقال الطيبي، قوله: (أرواحهم في جوف طير خضر)، أي: يخلق لأرواحهم بعدما فارقت أبدانهم هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم، فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية. وقال القاضي عياض: واختلفوا فيه، فقيل: ليست للأقيسة والعقول في هذا حكم، فإذا أراد الله أن يجعل الروح، إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد، في قناديل أو جوف طير أو حيث شاء كان ذلك، ووقع ولم يبعد، لا سيما على القول بأن الأرواح أجساد فغير مستحيل أن يصور جزء من الإنسان طائرا، أو يجعل في جوف طائر في قناديل تحت العرش. وقد اختلفوا في الروح. فقال كثير من أرباب علم المعاني وعلم الباطن والمتكلمين: لا نعرف حقيقته ولا يصح وصفه. وهو ما جهل العباد بعلمه، واستدلوا بقوله تعالى: * (قل الروح من أمر ربي) * (الإسراء: 58). وقال كثيرون من شيوخنا: هو الحياة، وقال آخرون: هو أجسام لطيفة مشاكلة للجسم يحيى بحياته، أجرى الله العادة بموت الجسم عند فراقه، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم، قال الشيخ: هذا هو المختار، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلي بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة، وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب، وهذا باطل مردود لإبطاله ما جاءت الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار.