عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢٠٠
قال: سأل عمر، رضي الله تعالى عنه، رجلا عن رجل، فقال: لا نعلم إلا خيرا، قال: حسبك. وقال شريح: أدع وأكثر وأطنب وائت على ذلك بشهود عدول، فإنا قد أمرنا بالعدل، وأنت فسل عنه، فإن قالوا: الله يعلم، يفرقوا أن يقولوا: هو مريب، ولا تجوز شهادة مريب، وإن قالوا: علمناه عدلا مسلما، فهو إن شاء الله كذلك، وتجوز شهادته. وقال أبو عبيد في (كتاب القضاء): من ضيع شيئا مما أمره الله، عز وجل، أو ركب شيئا مما نهى الله تعالى عنه فليس يعدل. وعن أبي يوسف ومحمد والشافعي: من كانت طاعته أكثر من معاصيه وكان الأغلب عليه الخير وزاد الشافعي: والمروءة ولم يأت كبيرة يجب الحد بها أو ما يشبه الحد قبلت شهادته، لأن أحدا لا يسلم من ذنب، ومن أقام على معصية، أو كان كثير الكذب غير مستتر به لم تجز شهادته.
وقال الطحاوي: لا يخلو ذكر المروءة أن يكون مما يحل أو يحرم، فإن كان مما يحل أو يحرم، فإن كان مما يحل فلا معنى لذكرها، وإن كان مما يحرم فهي من المعاصي، وقال الداودي: العدل، أن يكون مستقيم الأمر مؤديا لفروضه غير مخالف لأمر العدول في سيرته وخلائقه، وغير كثير الخوض في الباطل، ولا يتهم في حديثه ولم يطلع منه على كبيرة أصر عليها، ويختبر ذلك في معاملته وصحبته في السفر، قال: وزعم أهل العراق أن العدالة المطلوبة في إظهار الإسلام مع سلامته من فسق ظاهر أو طعن خصم فيه فيتوقف في شهادته حتى تثبت له العدالة. وفي (الرسالة) عن الشافعي: صفة العدل هو العامل بطاعة الله تعالى، فمن رؤي عاملا بها فهو عدل، ومن عمل بخلافها كان خلاف العدل. وقال أبو ثور: من كان أكثر أمره الخير وليس بصاحب جريمة في دين ولا مصر على ذنب وإن صغر قبل وكان مستورا، وكل من كان مقيما على ذنب وإن صغر لم تقبل شهادته.
وقول الله تعالى: * (وأشهدوا ذوى عدل منكم) * (الطلاق: 2). * (وممن ترضون من الشهداء) * (البقرة: 282).
وقول الله، بالجر عطف على قوله: الشهداء العدول. قوله: * (وممن ترضون) * (البقرة: 282). الواو فيه عاطفة لا من القرآن، واحتج بقوله: * (واشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2). على أن العدالة في الشهود شرط. وبقوله: * (ممن ترضون) * (البقرة: 282). على أن الشهود إذا لم يرض بهم لمانع عن الشهادة لا تقبل شهادتهم.
1462 حدثنا الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمان ابن عوف أن عبد الله بن عتبة قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يؤخذ منه: أن العدل من لم يوجد منه الريبة. وهذا الحديث من أفراده، وعبد الله بن عتبة، بضم العين وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة: ابن مسعود، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، مات في زمن عبد الملك بن مروان، سمع من كبار الصحابة، أدرك زمان النبي، صلى الله عليه وسلم. وفي (التهذيب): أدرك النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو خماسي ذكره ابن حبان في (الثقات)، والمرفوع من هذا الحديث إخبار عمر، رضي الله تعالى عنه، عما كان الناس يأخذون به على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبقية الخبر بيان لما يستعمله الناس بعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبقي كما قال أبو الحسن: لكل من سمعه أن يحفظه ويتأدب به.
قوله: (بالوحي)، يعني: كان الوحي يكشف عن سائر الناس في بعض الأوقات. قوله: (أمنا)، بهمزة بغير مد وكسر الميم وتشديد النون: يعني جعلناه آمنا، من الشر، وهو مشتق من: الأمان، ويقال: معناه، صيرناه عندنا أمينا. قوله: (وقربناه)، أي: أعظمناه وكرمناه. قوله: (من سريرته)، السرير: السر ويجمع على: سرائر. قوله: (والله يحاسبه)، وفي رواية أبي ذر عن الحموي: يحاسب، بحذف الضمير المنصوب، وفي
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»