للشيوخ: مشيخة، وفي المثل: أعق من الضب، لأنه ربما أكل حسو له، والأنثى ضبة، والضب لا يشرب ماء. قوله: (فأكل)، على صيغة المجهول أي: فأكل الضب. قوله: (على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال الداودي: يعني القصعة والمنديل ونحوهما، لأن أنسا قال: ما أكل على خوان، وأصل المائدة من الميد، وهو العطاء، يقال: مادني يميدني، وقال أبو عبيد: هي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء، وقال الزجاج، هو عندي من: ماد يميد إذا تحرك. وقال ابن فارس: هو من ماد يميد إذا أطعم، قال: والخوان مما يقال: إنه اسم أعجمي، غير أني سمعت إبراهيم بن علي القطان يقول: سئل ثعلب، وأنا أسمع: أيجوز أن يقال: إن الخوان سمي بذلك لأنه يتخون ما عليه أي: ينتقص به؟ فقال: ما يبعد ذلك. قوله: (تقذرا)، نصب على التعليل، أي: لأجل التقذر، يقال: قذرت الشيء وتقذرته واستقذرته: إذا كرهته.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز الإهداء وقبول الهدية. وفيه: من احتج بقول ابن عباس على جواز أكل الضب لأنه قال: لو كان حراما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت الشافعية: وهو احتجاج حسن، وهو قول الفقهاء كافة، ونص عليه مالك في (المدونة) وعنه رواية بالمنع، وقد روى مالك في حديث الضب أنه صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس وخالد بن الوليد بأكله في بيت ميمونة، وقالا له: ولم لا تأكل يا رسول الله؟ فقال: (إني يحضرني من الله حاضرة)، يعني الملائكة الذين يناجيهم، ورائحة الضب ثقيلة، فلذلك تقذره خشية أن تؤذي الملائكة بريحه. وقال ابن بطال: إنه يجوز للإنسان أن يتقذر ما ليس بحرام عليه لقلة عادته بأكله أو لوهمه. وقال صاحب (الهداية): يكره أكل الضب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة، رضي الله تعالى عنها، حين سألته عن أكله. قلت: هذا رواه محمد بن الحسن عن الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أهدي له ضب فلم يأكله، فسألته عن أكله فنهاني، فجاءني سائل على الباب فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لا تأكليه؟ والنهي يدل على التحريم، وروي عن عبد الرحمن بن شبل، أخرجه أبو دادو في الأطعمة عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن سريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب. فإن قلت: قال البيهقي: تفرد ابن عياش وليس بحجة، وقال ابن المنذري: إسماعيل بن عياش وضمضم فيهما مقال، وقال الخطابي: ليس إسناده بذاك. قلت: ضمضم حمصي وابن عياش إذا روى عن الشاميين كان حديثه صحيحا، كذا قال البخاري ويحيى بن معين وغيرهما، وكذا قال البيهقي في: باب ترك الوضوء من الدم في (سننه)، وكيف يقول هنا: وليس بحجة؟ ولما أخرج أبو داود هذا الحديث سكت عنه، وهو حسن صحيح عنده، وقد صحح الترمذي لابن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة، وشرحبيل شامي، وروى الطحاوي في (شرح الآثار) مسندا إلى عبد الرحمن بن حسنة، قال: نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة، فطبخنا منها وإن القدور لتغلي بها إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ فقلنا: ضباب أصبناها. وقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض إني أخشى أن تكون هذه، فأكفؤها. وقال أصحابنا: الأحاديث التي وردت بإباحة أكل الضب منسوخة بأحاديثنا، ووجه هذا النسخ بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر والآخر موجبا للإباحة مثل ما نحن فيه، والتعارض ثابت من حيث الظاهر، ثم ينتفي ذلك بالمصير إلى دلالة التاريخ، وهو أن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة فكان الأخذ به أولى، ولا يمكن جعل الموجب للإباحة متأخرا، لأنه يلزم منه إثبات النسخ مرتين، فافهم.
6752 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا معن قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد ابن زياد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عن أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده صلى الله عليه وسلم فأكل معهم.