عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ١٤٥
وجه عن النعمان بن بشير، ورواه الطحاوي من طريق الزهري عن محمد بن النعمان، وحميد بن عبد الرحمن عن النعمان مثل حديث الباب ثم قال: واحتج به قوم على أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض أنه باطل، ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون، وحاصل كلامه أنهم جوزوا ذلك، ثم قال ما ملخصه: إن الحديث المذكور ليس فيه أن النعمان كان صغيرا حينئذ، ولعله كان كبيرا، ولم يكن قبضه. وقد روى أيضا على معنى غير ما في الحديث المذكور، وهو أن النعمان قال: انطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحلني نحلا ليشهده على ذلك، فقال: (أو كل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا. قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء؟ قال: بلى. قال: فأشهد على هذا غيري). فهذا لا يدل على فساد العقد الذي كان عقده للنعمان، وأما امتناعه عن الشهادة فلأنه كان متوقيا عن مثل ذلك، ولأنه كان إماما، والإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم. وقد اعترض عليه بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة، ولا من أدائها إذا تعينت عليه. قلت: لا يلزم أيضا أن لا يمتنع من تحمل الشهادة، فإن التحمل ليس بمتعين، لا سيما في حق النبي صلى الله عليه وسلم، لأن مقامه أجل من ذلك، وكلامنا في التحمل لا في الأداء، إذا تحمل. فافهم. ثم روى الطحاوي حديث النعمان المذكور من رواية الشعبي عنه كما رواه البخاري، على ما يأتي، وليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم أمره برد الشيء، وإنما فيه الأمر بالتسوية. فإن قلت: في رواية البخاري: (فرجع فرد عطيته؟) قلت: رده عطيته في هذه الروايات باختياره هو لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع عنه صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم). فإن قلت: في حديث الباب الأمر بالرجوع صريحا حيث قال: (فارجعه) قلت: ليس الأمر على الإيجاب، وإنما هو من باب الفضل والإحسان، ألا ترى إلى حديث أنس رواه البزار في (مسنده) عنه: (أن رجلا كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءته بنية له فأجلسها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا سويت بينهما؟) انتهى. وليس هذا من باب الوجوب، وإنما هو من باب الإنصاف والإحسان.
31 ((باب الإشهاد في الهبة)) أي: هذا باب في بيان الإشهاد في الهبة.
7852 حدثنا حامد بن عمر قال حدثناأبو عوانة عن حصين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضاى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله قال أعطيت سائر ولدك مثل هاذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته.
(انظر الحديث 6852 وطرفه).
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، وهو ظاهر، وقال الكرماني: قال شارح التراجم: فإن قيل: ليس في حديث النعمان ما يدل على أكل الرجل مال ولده، قلنا: إذا جاز للوالد انتزاع ملك ولده الثابت بالهبة لغير حاجة، فلأن يجوز عند الحاجة أولى.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: حامد بن عمر بن حفص بن عبيد الله الثقفي. الثاني: أبو عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري. الثالث: حصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين: ابن عبد الرحمن السلمي. الرابع: عامر بن شرحبيل الشعبي. الخامس: النعمان بن بشير.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضعين. وفيه: أن شيخه بصري وأبو عوانة واسطي وحصين وعامر كوفيان. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.
ذكر معناه: قوله: (وهو على المنبر)، جملة حالية، وكذا قوله: (يقول). قوله: (أعطاني أبي عطية)، وكان العطية غلاما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه، قال: حدثنا النعمان بن بشير، قال وقد أعطاه أبوه غلاما، فقال له
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»