أبا طلحة فذبحها وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها أو فخذيها قال فخذيها لا شك فيه فقبله قلت وأكل منه قال وأكل منه ثم قال بعد قبله.
مطابقته للترجمة في قوله: (فقبله) وهو ظاهر.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن أبي الوليد وعن مسدد عن يحيى القطان. وأخرجه مسلم في الذبائح عن أبي موسى وعن زهير بن حرب وعن يحيى بن حبيب. وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن موسى بن إسماعيل، وأوله: كنت غلاما حزورا قصدت أرنبا. وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان. وأخرجه النسائي في الصيد عن إسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن بشار.
ذكر معناه: قوله: (انفجنا)، بالنون والفاء والجيم، أي: أثرناه من مكانه، قال الجوهري: نفج الأرنب إذا ثار، وأنفجته أنا، والإنفاج الإثارة، يقال: أنفجت الأرنب في جحره أي: أثرته فثار، وأصله من: أنفجت الأرنب إذا وثبت فوسعت الخطوة. قال الخليل: نفج اليربوع ينفج وينفج نفوجا، وينتفج، وهو أرجى عدوه، والأرنب حيوان معروف، وكلام الجوهري يقتضي أنه مذكر، فإنه قال: إذا ثار، ولم يقل: ثارت. وكذا قال في باب الباء: الأرنب، واحد الأرانب، ولم يقل: واحدة الأرانب. والذي في حديث الباب يقتضي تأنيثه، وهي الضمائر التي في (أدركتها) إلى آخره، وهكذا ذكره بعض أهل اللغة بأنه مؤنثة، والصحيح أنه يكون للمذكر والأنثى، وبه صدر كلامه صاحب (المحكم). ثم قال: والأرنب الأنثى والخزر الذكر. وقال الجوهري في باب الزاي: الخزز ذكر الأرانب، والجمع: خزان، مثل صرد وصردان. قوله: (بمر الظهران)، الباء فيه تتعلق: بأنفجنا، ومر الظهران، بفتح الميم وتشديد الراء وفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء، قال النووي: هو موضع قريب من مكة. انتهى. وهو الذي يعرف اليوم: ببطن مر، قال الجوهري: وبطن مر، موضع، وهو من مكة على مرحلة. وقال الكرماني: ومر، بفتح الميم وتشديد الراء: قرية ذات نخل وزرع، والظهران، بفتح المعجمة وسكون الهاء وبالراء والنون: اسم للوادي، وهو على خمسة أميال من مكة إلى جهة المدينة. وقال البكري: مر مضاف إلى: الظهران، وبينه وبين البيت ستة عشر ميلا. وقال سعيد ابن المسيب: كانت منازل عك مر الظهران، وببطن مر تخزعت خزاعة عن أخواتها فبقيت بمكة، وسارت أخوتها إلى الشام أيام سيل العرم. وقال كثير عزة: سميت مر لمرارة مائها. قوله: (فلغبوا)، بفتح الغين المعجمة وكسرها وبالفتح أشهر، ومعناه: تعبوا. وقال الكرماني: وفي بعض الرواية: فتعبوا، من التعب وهو الإعياء. وقال الأصمعي: تقول العرب: لغبت ألغب لغوبا: أعييت. وقال الداودي: لغبوا عطشوا، وقال ابن التين: ولم يذكره غيره. قوله: (أبا طلحة)، هو زوج أم أنس، رضي الله تعالى عنه، واسمها: أم سليم. قوله: (بوركها)، بفتح الواو وكسر الراء، وبكسر الواو وإسكان الراء: هو ما فوق الفخذ، وهو بكسر الخاء وسكونها. قوله: (أو فخذيها)، شك من الراوي. قوله: (قال فخذيها لا شك فيه)، وفاعل: قال، هو: شعبة، لأن ابن بطال قال: شعبة فخذيها لا شك فيه، ثم قال: فيه دليل على أن شعبة شك في الفخذين أولا ثم استيقن، وكذلك شك أخيرا في الأكل فأوقف حديثه على القبول. قلت: يشير بهذا إلى أنه لا يشك في فخذيها، وإنما الشك بين الوركين والفخذين. قوله: (ثم قال بعد قبله)، أشار به إلى أنه شك في أكله ولم يشك في قبوله، وفي (التوضيح): شعبة شك في الفخذين أولا ثم استيقن، وكذلك شك أخيرا في الأكل. قلت: ولم يشك في القبول.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: إباحة السعي لطلب الصيد. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس: (من تبع الصيد غفل). قلت: المراد به: من تمادى به طلب الصيد إلى أن فاتته الصلاة أو غيرها من مصالح دينه ودنياه. وفيه: أنه إذا طلب جماعة الصيد فأدركه بعضهم وأخذه يكون ملكا له، ولا يشاركه فيه من شاركه في طلبه، وفيه في لفظ الترمذي وغيره: (فذبحها بمروة)، صحة الذبح بالمروة ونحوها إذا كان لها حد يذكى به الصيد، فإن قتله بثقله لم يحل. وفيه: أنه لا بأس بإهداء الصاحب لصاحبه الشيء اليسير، وإن كان المهدى إليه عظيما، إذا علم من حاله محبة ذلك منه. وفيه: الأخبار عمن أهدى إليه شيء مما يؤكل فقبله، أنه أكله، كما فعل أنس. وفيه: إباحة أكل الأرنب، وهو قول الأئمة الأربعة وكافة العلماء إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعكرمة مولى ابن عباس: أنهم كرهوا