يبتغون) * (النور: 33). الآية. وحجة الجمهور في هذا أن الإجماع منعقد على أن السيد لا يجبر على بيع عبده وإن ضوعف له في الثمن، وإذا كان كذلك فالأحرى والأولى أن لا يخرج عن ملكه بغير عوض، لا يقال: إنها طريق العتق والشارع متشوف إليه فحالف البيع، لأنا نقول: التشوف إنما هو في محل مخصوص، وأيضا الكسب له، فكأنه قال: أعتقني مجانا. وأما الآثار التي دلت على الوجوب فسيأتي الكلام فيها، إن شاء الله تعالى.
قوله: * (إن علمتم فيهم خيرا) * (النور: 33). اختلفوا في المراد بالخير، فقال الثوري: هو القوة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه، وعن الليث مثله، وكره ابن عمر كتابة من لا حرفة له، وكذا روي عن سلمان، وقال الحسن البصري: الصدق والأمان والوفاء، وقال بعضهم: الصلاح وإقامة الصلاة، وقال مجاهد: المال، وكذا نقل عن عطاء وأبي رزين، وكذلك روي عن ابن عباس، وفي (المصنف): وكتب عمر إلى عمير بن سعد أنه: من قبل من المسلمين أن يكاتبوا أرقاءهم على مسألة الناس، وقال ابن حزم: قالت طائفة: المال، فنظرنا في ذلك فوجدنا موضوع كلام العرب الذي نزله به القرآن أنه: لو أراد، عز وجل، المال لقال: إن علمتم لهم خيرا، أو عندهم، أو معهم خيرا، لأن بهذه الحروف يضاف المال إلى من هو له في لغة العرب، ولا يقال أصلا: في فلان مال، فعلمنا أنه تعالى لم يرد به المال، فصح أنه الدين. وروي عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه سئل: أاكاتب وليس لي مال؟ فقال: نعم، فصح عنده أن الخير عنده لم يكن المال. وقال الطحاوي: من قال: إنه المال، لا يصح عندنا، لأن العبد نفسه مال لمولاه، فكيف يكون له مال؟ والمعنى عندنا: إن علمتم فيهم الدين والصدق وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون بالوفاء لكم بما عليهم من الكتاب والصدق في المعاملة، فكاتبوهم. قوله: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (النور: 33). أي: أعطوهم من المال الذي أعطاكم الله تعالى. اختلف في المخاطبين من هم؟ فقيل: الأغنياء الذين يجب عليهم الزكاة، أمروا أن يعطوا المكاتبين، وقيل: السادة أمروا بإعانتهم، وهو أن يحط عنهم من مال الكتابة شيئا. واختلف في الإيتاء: هل هو واجب؟ فذهب الشافعي إلى أنه واجب، وقال أبو حنيفة ومالك: ليس بواجب، والأمر فيه على الندب والحض أن يضع الرجل عن عبده من مال كتابته شيئا مسمى به يستعين على الخلاص، واختلفوا فيه أيضا: هل هو مقدار معين؟ فقال الشافعي: هو غير مقدر ولكنه واجب، كما ذكرنا، وهو المنقول عن سعيد بن جبير، وقال أحمد: هو ربع المال، وهو المروي أيضا عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، وعن ابن مسعود: الثلث، وقال الزمخشري: وآتوهم، أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال، كقوله: وفي الرقاب، عند أبي حنيفة وأصحابه، وقيل: معنى: آتوهم، أسلفوهم. وقيل: أنفقوا عليهم بعد أن يؤدوا أو يعتقوا، وهذا كله مستحب، وقال ابن بطال: قول الجمهور أولى، لأنه، صلى الله عليه وسلم، لم يأمر موالي بريرة بإعطائها شيئا، وقد كوتبت وبيعت بعد الكتابة، ولو كان الإيتاء واجبا لكان مقدرا كسائر الواجبات، حتى إذا امتنع السيد من جعله ادعاه عند الحاكم، فأما دعوى المجهور فلا يحكم بها، ولو كان الإيتاء واجبا وهو غير مقدر لكان الواجب للمولى على المكاتب هو الباقي بعد الحط، فأدى ذلك إلى جهل مبلغ الكتابة، وذلك لا يجوز.
وقال روح عن ابن جريج قلت لعطاء: أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبا روح هو ابن عبادة، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وعطاء هو ابن أبي رباح. وهذا التعليق رواه ابن حزم من طريق إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به.
وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء تأثره عن أحد قال لا ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال فأباى فانطلق إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال كاتبه فأبى فضربه بالدرة ويتلو عمر * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * (النور: 33) فكاتبه