يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه فيخشى من ضربه أن يبطل أو يتشوه كلها أو بعضها، والشين فيه فاحش لبروزه وظهوره، بل لا يسلم إذا ضرب غالبا من شين. انتهى. وهذا تعليل حسن، ولكن روى مسلم، وفي روايته تعليل آخر، فإنه روى الحديث من طريق أبي أيوب المراعي عن أبي هريرة، وزاد: فإن الله خلق آدم على صورته. واختلف في مرجع هذا الضمير، فعند الأكثرين: يرجع إلى المضروب، وهذا حسن، وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله، متمسكا بما ورد من ذلك في بعض طرقه أن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن، وأنكر المازري وغيره صحة هذه الزيادة ثم قال: وعلى تقدير صحتها يحمل على ما يليق بالباري سبحانه، عز وجل. قيل: كيف ينكر هذه الزيادة وقد أخرجها ابن أبي عاصم في السنة، والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها أيضا ابن أبي عاصم من طريق أبي يوسف عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول؟ قال: من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن، فإذا كان الأمر كذلك تعين إجراؤه على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره، كما جاء من غير اعتقاد تشبيه أو يؤول على ما يليق بالرحمن سبحانه وتعالى. فإن قلت: ما حكم هذا النهي؟ قلت: ظاهره التحريم، والدليل عليه ما رواه مسلم من حديث سويد بن مقرن أنه رأى رجلا لطم غلامه، فقال: أما علمت أن الصورة محرمة؟.
بسم الله الرحمان الرحيم 05 ((كتاب المكاتب)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام المكاتب، ووقع هكذا: في المكاتب، من غير ذكر لفظ: كتاب، ولا لفظ: باب، والبسملة موجودة عند الكل. والمكاتب، بفتح التاء: هو الرقيق الذي يكاتبه مولاه على مال يؤديه إليه بحيث إنه إذا أداه عتق، وإن عجز رد إلى الرق، وبكسر التاء: هو مولاه الذي بينهما عقد الكتابة، والكتابة أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم مثلا، ومعناه: كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت المال، وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك، أو كتبت عليك وفاء المال، وكتبت على العتق. واشتقاقها من: الكتب، وهو الجمع، يقال: كتبت الكتاب إذا جمعت بين الكلمات والحروف، وسمى هذا العقد كتابة لما يكتب فيه، وهو الذي ذكرناه. فإن قلت: سائر العقود يوجد فيها معنى الكتابة، فلم لا تسمى بهذا الاسم؟ قلت: لئلا تبطل التسمية كالقارورة، سميت بهذا الاسم لقرار المائع فيها، ولم يسم الكوز ونحوه قارورة، وإن كان يقر المائع فيه، لئلا تبطل الأعلام والكتابة شرعا عقد بين المولى وعبده، بلفظ الكتابة أو ما يؤدى معناه من كل وجه يوجب التحرير يدا في الحال ورقبة في المال، وقال الروياني: الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية، ورد عليه بأنها كانت متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن خزيمة في كلامه على حديث بريرة: قيل: إن بريرة أول مكاتبة في الإسلام، وقد كانوا يتكاتبون في الجاهلية بالمدينة. وفي (التوضيح): واختلف في أول من كوتب في الإسلام فقيل: سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه، كاتب أهله على مائة ودية نجمها لهم، فقال، صلى الله عليه وسلم: إذا غرستها فاذني. قال: فلما غرستها آذنته فدعا فيها بالبركة، فلم تفت منها ودية واحدة. وقيل: أول من كوتب أبو المؤمل، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعينوه)، فقضى كتابته وفضلت عنده، فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عليه السلام: (انفقها في سبيل الله). وأول من كوتب من النساء: بريرة، وأول من كوتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو أمية، مولى عمر، رضي الله تعالى عنه، ثم سيرين مولى أنس.
((باب إثم من قذف مملوكه المكاتب)) أي: هذا باب في بيان إثم من قذف مملوكه الذي كاتبه، كذا وقع في هذا الباب هنا في بعض النسخ، ولم يذكر فيه حديث أصلا ولا له وجه في دخوله أبواب المكاتب، وقد ترجم في كتاب الحدود: باب قذف المملوك، وأورد فيه حديثه، على ما يجيء بيانه، إن شاء الله تعالى. قيل: كان البخاري ترجم بهذا الباب وأخلى بياضا ليكتب فيه الحديث الوارد فيه، فكأنه لما لم يظفر به تركه هكذا.