78 ((باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا باع شخص الثمار قبل بدو صلاحها ثم أصابته عاهة أي: آفة، فهو من البائع أي: من مال البائع، والفاء جواب: إذا، لتضمن معنى الشرط، فهذا يدل على أن البخاري قائل بصحة هذا البيع، وإن لم يبد صلاحه، لأنه: إذا لم يفسد فالبيع صحيح.
8912 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له وما تزهي قال حتى تحمر فقال أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه..
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله) إن منع الله الثمرة.. إلى آخره، لأن الثمرة إذا أصابتها آفة ولم يقبضها المشتري تكون من ضمان البائع، فإذا قبضها المشتري فهو من مال المشتري.
وفي هذا الباب أقوال للعلماء وتفصيل، فقال ابن قدامة في (المغني): الكلام في هذه المسألة على وجوه.
الأول: أن ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع في الجملة، وبهذا قال أكثر أهل المدينة، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث. الثاني: أن الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها: كالريح والبرد والجراد والعطش. الثالث: أن ظاهر المذهب أنه: لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أن ما جرت العادة بتلف مثله كالشئ اليسير الذي لا ينضبط فلا يلتفت إليه.
وقال أحمد: إني لا أقول في عشرة ثمرات وعشرين ثمرة لا أدري ما الثلث؟ ولكن إذا كانت جائحة فوق الثلث أو الربع أو الخمس توضع، ومنه رواية أخرى: إن ما كان دون الثلث فهو من ضمان المشتري، وبه قال مالك والشافعي في القديم، لأنه لا بد أن يأكل الطائر منها وينثر الريح ويسقط منها، فلم يكن بد من ضابط وحد فاصل بين هذا وبين الجائحة، والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع منها: الوصية وعطايا المريض، إذا ثبت هذا فإنه إذا تلف شيء له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب، وإن تلف الجميع بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن، وإن تلف البعض وكان الثلث فما زاد وضع بقسطه من الثمن، وإن كان دونه لم يرجع بشيء، وإن اختلفا في الجائحة أو في قدر ما أتلفت فالقول قول البائع، لأن الأصل السلامة. انتهى.
وقال جمهور السلف والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي في الجديد وأبو جعفر الطبري وداود وأصحابه: ما ذهب من الثمر المبيع الذي أصابته جائحة من شيء، سواء كان قليلا أو كثيرا بعد قبض المشتري إياه، فهو ذاهب من مال المشتري، والذي ذهب في يد البائع قبل قبض المشتري فذاك يبطل الثمن عن المشتري.
ذكر معناه: قوله: (حتى تزهى)، بضم التاء من الإذهاء. قال الخطابي: هذه الرواية هي الصواب، ولا يقال في النخل: يزهو، وإنما يقال: يزهى، لا غير، ورد عليه غيره فقال: زهى إذا طال واكتمل، وأزهى إذا احمر واصفر. قوله: (فقيل له: وما تزهى؟) لم يسم السائل في هذه الرواية ولا المسؤول أيضا، وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ: قيل. يا رسول الله! وما تزهى؟ قال: حتى تحمر، وهكذا أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أيوب وأبو عوانة من طريق سليمان ابن بلال، كلاهما عن حميد، وظاهره الرفع، ورواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفا على أنس، كما مضى في الباب الذي قبله. قوله: (فقال)، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروى: فقال رسول الله أرأيت أي أخبرني؟ قال أهل البلاغة: هو من باب الكناية، حيث استفهم وأراد الأمر. قوله: (إذا منع الله الثمرة...) إلى آخره، هكذا صرح مالك برفع هذه الجملة، وتابعه محمد ابن عباد عن الدراوردي عن حميد مقتصرا على هذه الجملة الأخيرة، وجزم الدارقطني وغير واحد من الحفاظ بأنه أخطأ فيه، وبذلك جزم ابن أبي حاتم في (العلل) عن أبيه وأبي زرعة، والخطأ في رواية عبد العزيز من محمد بن عباد، فقد رواه إبراهيم ابن حمزة عن الدراوردي كرواية إسماعيل بن جعفر الآتي ذكرها، ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد