عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٤
صالح للقليل والكثير انتهى. قلت: فيه نظر لا يخفى، وإنما جمعه باعتبار المبتاع ومن معه من أهل الخصومات بقرينة قوله: يتبايعون. قوله: (فأما لا)، أصله: فإن لا تتركوا هذه المبايعة، فزيدت كلمة: ما، للتوكيد، وأدغمت النون في الميم وحذف الفعل. وقال الجواليقي: العوام يفتحون الألف والصواب كسرها، وأصله: أن لا يكون كذلك الأمر فافعل هذا، و: ما، زائدة وعن سيبويه: أفعل هذا إن كنت لا تفعل غيره، لكنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه. وقال ابن الأنباري: دخلت: ما، صلة كقوله عز وجل: * (فإما ترين من البشر أحدا) * (مريم: 62). فاكتفى: بلا، من الفعل كما تقول العرب: من سلم عليك فسلم عليه ومن لا، يعني: ومن لا يسلم عليك فلا تسلم عليه، فاكتفى، بلا، من الفعل وأجاز: من أكرمني أكرمته، ومن لا.. معناه: من لا يكرمني لم أكرمه، وقد أمالت العرب: لا، إمالة خفيفة، والعوام يشبعون إمالتها فتصير ألفها ياء، وهو خطأ ومعناه: إن لم يكن هذا فليكن هذا، قيل: وإنما يجوز إمالتها لتضمنها الجملة، وإلا فالقياس أن لا تمال الحروف. وقال التيمي: قد تكتب: لا، هذه بلام وياء وتكون: لا، ممالة، ومنهم من يكتبها بالألف ويجعل عليها فتحة محرفة علامة للإمالة، فمن كتب بالياء تبع لفظ الإمالة، ومن كتب بالألف تبع أصل الكلمة. قوله: (حتى يبدو صلاح الثمر)، صلاح الثمر هو أن يصير إلى الصفة التي يطلب كونه على تلك الصفة. وهو بظهور النضج والحلاوة وزوال العفوصة وبالتموه واللين وبالتلون وبطيب الأكل، وقيل: هو بطلوع الثريا، وهما متلازمان. قوله: (كالمشورة)، بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو على وزن فعولة، ويقال بسكون الشين وفتح الواو على وزن مفعلة. وقال ابن سيده: هي مفعلة لا مفعولة لأنها مصدر، والمصادر لا تجيء على مثال مفعولة، وقال الفراء: مشورة قليلة، وزعم صاحب الثقيف والحريري في آخرين: أن تسكين الشين فتح الواو مما لحن فيه العامة، ولكن الفراء نقله، وهي مشتقة من شرث العسل إذا اجتنيته، فكان المستشير يجتني الرأي من المشير، وقيل: أخذ من قولك: شرت الدابة، إذا أجريتها مقبلة ومدبرة لتسبر جريها وتختبر جوهرها، فكان المستشير يستخرج الرأي الذي عند المشير، وكلا الإشتقاقين متقارب معناه من الآخر، والمراد بهذه المشورة: أن لا يشتروا شيئا حتى يتكامل صلاح جميع هذه الثمرة لئلا تجري منازعة.
قوله: (وأخبرني) أي: قال أبو الزناد: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، وإنما قال بالواو عطفا على كلامه السابق، وخارجة بالخاء المعجمة والجيم هو أحد الفقهاء السبعة. قوله: (حتى تطلع الثريا)، وهو مصغر الثروي، وصار علما للنجم المخصوص، والمعنى: حتى تطلع مع الفجر، وقد روى أبو داود من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا: إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل بلد، وفي رواية أبي حنيفة عن عطاء: رفعت العاهة من الثمار والنجم هو الثريا، وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار، والمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له، وقد بينه في الحديث بقوله: ويتبين الأصفر من الأحمر.
قال أبو عبد الله رواه علي بن بحر. قال حدثنا حكام قال حدثنا عنبسة عن زكرياء عن أبي الزناد عن عروة عن سهل عن زيد أبو عبد الله هو البخاري، رحمه الله تعالى. قوله: (رواه)، أي: روى الحديث المذكور علي بن بحر ضد البر القطان الرازي وهو أحد شيوخ البخاري، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين، وحكام، على وزن فعال بالتشديد للمبالغة: ابن سلم، بفتح السين المهملة وسكون اللام، وهو أيضا رازي، توفي سنة تسعين ومائة، وعنبسة، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة والسين المهملة: ابن سعيد بن ضريس، بالضاد المعجمة مصغر ضرس كوفي، ولي قضاء الري فعرف بالرازي، وليس لعنبسه هذا في البخاري سوى هذا الموضع الموقوف، كذا لشيخه زكريا بن خالد الرازي، ولا يعرف له راو غير عنبسة، وأبو الزناد عبد الله ابن ذكوان، وعروة هو ابن الزبير بن العوام، وسهل هو ابن أبي حثمة، وزيد هو ابن ثابت الأنصاري.
وقد روى أبو داود حديث الباب من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد، قال: سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما ذكر في ذلك؟ فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت، قال: كان الناس يتبايعون الثمار قبل أن يبدو صلاحها... الحديث، فذكره نحو حديث الباب، وعنبسة بن خالد هذا غير عنبسة بن سعيد فافهم.
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»