مرسلا؟ قلت: رواه الطحاوي موصولا بإسناد جيد. قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ وعبيد الله بن محمد بن حشيش وإبراهيم بن محمد الصيرفي، قالوا: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن دينار عن موسى بن عبد عن زياد بن جبير عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة). فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث ضعيف بمحمد بن دينار الطاحي البصري بما روي عن ابن معين: أنه ضعيف؟ قلت: البيهقي لتحامله على أصحابنا يثبت بما لا يثبت، وقد روى أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين أنه قال: ليس به بأس، وكذا قاله النسائي، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال ابن عدي: حسن الحديث.
فإن قلت: حديث جابر فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. قلت: قال ابن حبان: صدوق يكتب حديثه، وقال الذهبي في (الميزان): أحد الأعلام على لين في حديثه، روى له مسلم مقرونا بغيره، وروى له الأربعة.
فإن قلت: حديث ابن عباس قال فيه البيهقي: إنه عن عكرمة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مرسل؟ قلت: أخرجه الطحاوي من طريقين متصلين، وأخرجه البزار أيضا متصلا، ثم قال: ليس في هذا الباب حديث أجل إسنادا منه، وهذه الأحاديث مع اختلاف طرقها يؤيد بعضها بعضا، ويرد قول الشافعي أنه لا يثبت الحديث في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، ثم إن الشافعي ومن معه احتجوا لما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق وعن يزيد ابن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أمره أن يجهز جيشا، فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة). وراه الطحاوي أيضا، وفي روايته في قلاص الصدقة، والقلاص، بكسر القاف جمع قلص بضم القاف واللام، وهو جمع قلوص، فيكون القلاص جمع الجمع، وقال: القلوص يجمع على قلص وقلائص، وجمع القلص قلاص، والقلوص من النوق الشابة، وهي بمنزلة الجارية من النساء، وأجابوا عنه بأن في إسناده اختلافا كثيرا. وذكر عبد الغني في (الكمال) في: باب الكنى: أبو سفيان روى عن عمر بن حريش روى عنه مسلم بن جبير، ولم يذكر شيئا غير ذلك. وقال الذهبي في ترجمة عمرو بن حريش: ما روي عنه سوى أبي سفيان، ولا يدرى من أبو سفيان، وقال الطحاوي بعد أن رواه: ثم نسخ ذلك بآية الربا، بيان ذلك أن آية الربا تحرم كل فضل خال عن العوض ففي بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، يوجد المعنى الذي حرم به الربا، فنسخ كما نسخ بآية الربا استقراض الحيوان، لأن النص الموجب للحظر يكون متأخرا عن الموجب للإباحة، ومثل هذا النسخ يكون بدلالة التاريخ، فيندفع بهذا قول النووي وأمثاله: أن النسخ لا يكون إلا بمعرفة التاريخ، وإن حديث أبي رافع الذي رواه مسلم وغيره أن النبي، صلى الله عليه وسلم: (استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء). احتج به الأوزاعي والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق فيما ذهبوا إليه من جواز استقراض الحيوان، قالوا: وهو حجة على منع ذلك. وأجاب المانعون عن ذلك بأنه منسوخ بآية الربا بالوجه الذي ذكرناه الآن، ومع هذا ليس فيه إلا الثناء على من أحسن القضاء، فأطلق ذلك ولم يقيده بصفة، ولم يكن ذلك بشرط الزيادة، وقد أجمع المسلمون بالنقل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن اشتراط الزيادة في السلف ربا حرام، وكذلك أجابوا عن كل حديث يشبه حديث أبي رافع بأنه كان قبل آية الربا. وعن هذا قال أبو حنيفة وأصحابه وفقهاء الكوفة والثوري والحسن بن صالح: إن استقراض الحيوان لا يجوز، ولا يجوز الاستقراض إلا مما له مثل: كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، فلا يجوز قرض ما لا مثل له من المزروعات والعدديات المتفاوتة، لأنه لا سبيل إلى إيجاب رد العين، ولا إلى إيجاب القيمة لاختلاف تقويم المقومين، فتعين أن يكون الواجب فيه رد المثل، فيختص جوازه بما له مثل، وعن هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يجوز القرض في الخبز لا وزنا ولا عددا، وقال محمد: يجوز عددا.