59 ((باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة)) أي: هذا باب يذكر فيه من أجرى أمرها إلى الأمصار على ما يتعارفون بينهم، أي: على عرفهم وعوائدهم في أبواب البيوع والإجارات والمكيال، وفي بعض النسخ: والكيل والوزن مثلا بمثل، كل شيء لم ينص عليه الشارع أنه كيلي أو وزني يعمل في ذلك على ما يتعارفه أهل تلك البلدة مثلا: الأرز فإنه لم يأت فيه نص من الشارع أنه كيلي أو وزني، فيعتبر في عادة أهل كل بلدة على ما بينهم من العرف فيه، فإنه في البلاد المصرية يكال، وفي البلاد الشامية يوزن، ونحو ذلك من الأشياء، لأن الرجوع إلى العرف جملة من القواعد الفقهية.
قوله: (وسننهم)، عطف على ما يتعارفون بينهم أي: على طريقتهم الثابتة على حسب مقاصدهم وعاداتهم المشهورة.
وحاصل الكلام أن البخاري قصد بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف والعادة.
وقال شريح للغزالين سنتكم بينكم ربحا شريح، بضم الشين المعجمة: ابن الحارث الكندي القاضي من عهد عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. قوله: (للغزالين) هو جمع: غزال، وهو بياع الغزل. قوله: (سنتكم)، يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره قوله: (بينكم)، يعني: عادتكم وطريقتكم بينكم معتبرة، وأما النصب فعلى تقدير إلزموا سنتكم، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور من طريق ابن سيرين: أن ناسا من الغزالين اختصموا إلى شريح في شيء كان بينهم، فقالوا: إن سنتنا بيننا كذا وكذا، فقال: سنتكم بينكم. قوله: (ربحا)، قيل: لا معنى له ههنا، وإنما محله في آخر الأثر الذي بعده. قلت: هكذا وقع في بعض النسخ، ولكنه غير صحيح، لأن هذه اللفظة هنا لا فائدة لها ولا معنى يطابق الأثر.
وقال عبد الوهاب عن أيوب عن محمد لا بأس العشرة بأحد عشر ويأخذ للنفقة ربحا مطابقته للترجمة من حيث إن عرف البلد أن المشترى بعشرة دراهم يباع بأحد عشر، فباعه المشتري على ذلك العرف لم يكن به بأس، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني، ومحمد هو ابن سيرين، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب، هذا. قوله: (لا بأس العشرة بأحد عشر)، أي: لا بأس أن يبيع ما اشتراه بمائة دينار مثلا كل عشرة منه بأحد عشر، فيكون رأس المال عشرة والربح دينارا، وقال الكرماني: العشرة، بالرفع والنصب إذا كان عرف البلد أن المشترى بعشرة دراهم يباع بأحد عشر درهما، فيبيعه على ذلك العرف، فلا بأس به. ويأخذ لأجل النفقة ربحا. قلت: أما وجه الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره هو قوله: (بأحد عشر)، والتقدير: تباع بأحد عشر. وأما النصب فعلى تقدير: بيع العشرة، يعني: المشترى بعشرة، بأحد عشر.
وقال ابن بطال: اختلف العلماء في ذلك فأجازه قوم وكرهه آخرون، وممن كرهه ابن عباس وابن عمر ومسروق والحسن، وبه قال أحمد وإسحاق. قال أحمد: البيع مردود، وأجازه ابن المسيب والنخعي، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي، وحجة من كرهه لأنه بيع مجهول، وحجة من أجازه بأن الثمن معلوم والربح معلوم وأصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم ولا يعلم مقدارها من الطعام، فأجازه قوم وأباه آخرون، ومنهم من قال: لا يلزم إلا القفيز الواحد. وعن مالك: لا يأخذ في المرابحة أجر السمسار ولا أجر الشد والطي ولا النفقة على الرقيق، ولا كراء البيت، وإنما يحسب هذا في أصل المال ولا يحسب له ربح، وأما كراء البز فيحسب له الربح لأنه لا بد منه، فإن أربحه المشترى على ما لا تأثير له جاز إذا رضي بذلك. وقال أبو حنيفة: يحسب في المرابحة أجرة القصارة والسمسرة ونفقة الرقيق وكسوتهم، ويقول: قام علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا.
قوله: (ويأخذ للنفقة)، أي: لأجل النفقة ربحا، هذا محل ذكر الربح، كما ذكرناه عن قريب، وقد ذكرنا الآن خلاف مالك فيه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف مطابقته للترجمة من حيث إنه، صلى الله عليه وسلم، قال لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، وهو عادة الناس، وهذا