الغرر. ألا يرى أن الظئر يكرى لأجل لبنها الذي لم يخلق ولم يوجد إلا أوله، ولا يدري كم يشرب الصبي منه، وكذلك لو اكترى عبدا لخدمته فالمنفعة التي وقع عليها العقد لم تخلق، وإنما تتجدد أولا فأولا، حتى لو مات العبد تعذرت المحاسبة على ما حصل من المنفعة، وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليما من الآفات أن تتتابع بطونها وتتلاحق، وعدم مشاهدته لا تدل على بطلان بيعه، بدليل بيع الجوز واللوز في قشورهما وفساده يتبين من خارج.
8022 حدثنا قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمر التمر حتى تزهو فقلنا لأنس ما زهوها قال تحمر وتصفر أرأيت أن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك.
.
مطابقته للترجمة من معنى الحديث، لأن الثمرة قبل زهوها خضراء، فتدخل في بيع المخاضرة، قبل الزهو، وإسماعيل بن جعفر بن كثير أبو إبراهيم الأنصاري المديني. والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا عن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي ابن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل به.
قوله: (ثمر التمر)، الأول بالثاء المثلثة وفتح الميم، والثاني بالتاء المثناة من فوق وسكون الميم، ويروى: بيع الثمر، بدون الإضافة إلى شيء. قوله: (أرأيت)، معناه أخبرني. قوله: (أن منع الله الثمرة) يعني: لم يخرج شيء. قوله: (بم تستحل؟) يعني: إذا تلف الثمر لا يبقى في مقابلة شيء عوض ذلك، فيكون البائع آكلا لمال غيره بالباطل. واحتمال التلف بعد الزهو، وإن كان ممكنا، لكن تطرقه إلى الباذي أسرع وأظهر وأكثر.
49 ((باب بيع الجمار وأكله)) أي: هذا باب في بيان حكم بيع الجمار، بضم الجيم وتشديد الميم، هو قلب النخلة. ويقال: شحمها. قوله: (وأكله) أي: وفي بيان حكم أكله.
9022 حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا فقال من الشجر شجرة كالرجل المؤمن فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أحدثهم قال هي النخلة..
هذه الترجمة لها جزءان. أحدهما: بيع الجمار، والآخر: أكله، وليس في الحديث إلا الأكل. وقال الكرماني: ما الذي يدل على بيع الجمار؟ ثم قال: جواز أكله. ولعل الحديث مختصر مما فيه ذلك، أو غرضه الإشارة إلى أنه لم يجد حديثا يدل عليه بشرطه انتهى. قلت: الجواب الأول أوجه من الآخرين. وعن هذا قال ابن بطال: بيع الجمار وأكله من المباحات بلا خلاف، وكل ما انتفع به للأكل فبيعه جائز. وقال بعضهم: فائدة الترجمة دفع توهم المنع من ذلك لكونه قد يظن إفسادا وإضاعة وليس كذلك. قلت: المقصود من الترجمة أن يدل على شيء في الحديث الذي يورده في بابها، وهذا الذي قاله أجنبي من ذلك. وليس بشيء على ما لا يخفى.
وهذا الحديث قد مضى في كتاب العلم في: باب طرح الإمام المسألة على أصحابه، فإنه أخرجه هناك: عن خالد بن مخلد عن سليمان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وهنا أخرجه: عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن أبي عوانة، بفتح العين المهملة: الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: جعفر بن أبي وحشية، واسمه: إياس البصري... إلى آخره، وقد مضى الكلام فيه هناك.
قوله: (وهو يأكل جمارا) جملة حالية، وهذه الجملة ليست مذكورة هناك فلذلك هنا ترجم للأكل. قوله: (فإذا أنا) كلمة: إذا، للمفاجأة. وقوله: (أحدثهم) جوابها، أي: أصغرهم، فمعنى الصغر في السن أن أتقدم على الأكابر وأتكلم بحضورهم.
وفيه: أكل الشارع بحضرة القوم تواضعا، ولا عبرة بقول بعضهم: إنه يكره أظهاره، وإنه يخفى مدخله كما يخفى مخرجه. وفيه: مراعاة الصغار الأدب بحضور الكبار.