(إن كان)، كلمة: إن، مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين، فإن دخلت على الإسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين، وإن دخلت على الفعلية وجب إعمالها، والأكثر كون الفعل ماضيا ناسخا، وهنا كذلك. قوله: (ليقبل) اللام فيه مفتوحة للتأكيد. قوله: (وهو صائم) جملة حالية. قوله: (ثم ضحكت) قيل: كان ضحكها تنبيها على أنها صاحبة القضية ليكون أبلغ في الثقة بحديثها. وقال القاضي عياض: يحتمل ضحكها التعجب مما خالفه فيه أو من نفسها حيث جاءت بمثل هذا الحديث الذي يستحي من ذكره، لا سيما حديث المرأة عن نفسها للرجال: لكنها اضطرت إلى ذكره لتبليغ الحديث، فتعجبت من ضرورة الحال المضطرة لها إلى ذلك، وقيل: ضحكت سرورا بتذكر مكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالها معه.
ذكر بيان الخلاف في هذا الباب: ذهب شريح وإبراهيم النخعي والشعبي وأبو قلابة ومحمد بن الحنفية ومسروق ابن الأجدع وعبد الله بن شبرمة إلى أنه ليس للصائم أن يباشر القبلة فإن قبل فقد أفطر وعليه أن يقضي يوما، واحتجوا بما رواه ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضني (عن ميمونة، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان؟ قال: قد أفطرا). وأخرجه الطحاوي ولفظه: (عن ميمونة بنت سعد قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: أفطرا جميعا). وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو يزيد الضني، بكسر الضاد المعجمة والنون المشددة: نسبة إلى ضنة. قال الدارقطني: ليس بمعروف، وقال ابن حزم: مجهول، وميمونة بنت سعد، وقيل: سعيد، خادم النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن حزم ولفظه: عن ميمونة بنت عقبة مولاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني: لا يثبت هذا الحديث، وكذا قال السهيلي والبيهقي، وقال الترمذي: سألت محمدا عنه يعني البخاري فقال: هذا حديث منكر لا أحدث به، وأبو يزيد لا أعرف اسمه وهو رجل مجهول. قوله: (قد أفطرا)، أي: المقبل والمقبل كلاهما أفطرا، يعني: انتقض صومهما، وقال أبو عمر: وممن كره القبلة للصائم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير، وقد روي عن ابن مسعود أنه يقضي يوما مكانه، وروي عن ابن عباس أنه قال: إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف، فإذا وجد الريح تحرك، وإذا تحرك دعي إلى ما هو أكثر من ذلك، والشيخ أملك لأربه، وكره مالك القبلة للصائم في رمضان للشيخ والشاب، وعن عطاء عن ابن عباس أنه أرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب. وقال عياض: منهم من أباحها على الإطلاق، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وداود من الفقهاء، ومنهم من كرهها على الإطلاق وهو مشهور قول مالك، ومنهم من كرهها للشاب وأباحها للشيخ وهو المروي عن ابن عباس، ومذهب أبي حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي، وحكاه الخطابي عن مالك، ومنهم من أباحها في النفل ومنعها في الفرض، وهي رواية ابن وهب عن مالك، وقال النووي: إن حركت القبلة الشهوة فهي حرام على الأصح عند أصحابنا، وقيل: مكروه كراهة تنزيه. انتهى. وقال أصحابنا الحنفية في فروعهم: لا بأس بالقبلة والمعانقة إذا أمن على نفسه أو كان شيخا كبيرا، ويكره له مس فرجها، وعن أبي حنيفة: تكره المعانقة والمصافحة والمباشرة الفاحشة بلا ثوب والتقبيل الفاحش مكروه وهو أن يمضغ شفتيها، قاله محمد. فإن قلت: روى أبو داود من طريق مصدع أبي يحيى (عن عائشة، رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها). قلت: كلمة: ويمص، لسانها غير محفوظة، وإسناده ضعيف، والآفة من محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع، وتفرد به أبو داود، وحكى ابن الأعرابي عن أبي داود أنه قال: هذا الحديث ليس بصحيح، وعن يحيى بن محمد بن دينار: وقال أبو داود: كان تغير قبل أن يموت، وسعد بن أوس ضعفه يحيى أيضا. قيل: على تقدير صحة الحديث يجوز أن يكون التقبيل وهو صائم في وقت، والمص في وقت آخر، ويجوز أن يمصه ولا يبتلعه، ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل، وفيه نظر لا يخفى. وقال ابن قدامة: إن قبل فأمنى أفطر بلا خلاف، فإن أمذى أفطر عندنا وعند مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر، وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي، واللمس بشهوة كالقبلة، فإن كان بغير شهوة فليس مكروها بحال.
ولما أخرج الترمذي حديث عائشة من رواية عمرو بن ميمون: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقبل في شهر الصوم)، قال: وفي الباب عن عمر بن الخطاب وحفصة وأبي سعيد وأم سلمة