عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١٣
والتطيب، وهذه تحصل بالاغتسال والادهان والترجل.
قوله: (دهينا)، على وزن: فعيل، بمعنى مفعول أي: مدهونا. قوله: (مترجلا)، من الترجل، وهو تسريح الشعر وتنظيفه، وكذلك الترجيل ومنه أخذ المرجل وهو المشط، وروي عن قتادة أنه قال: يستحب للصائم أن يدهن حتى يذهب عنه غبرة الصوم، وأجازه الكوفيون والشافعي، رضي الله تعالى عنه، وقال: لا بأس أن يدهن الصائم شاربه، وممن أجاز الدهن للصائم: مطرف وابن عبد الحكم وإصبغ، ذكره ابن حبيب، وكرهه ابن أبي ليلى.
وقال أنس إن لي أبزنا أتقحم فيه وأنا صائم مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الدخول في الإبزن فوق الاغتسال، والإبزن، بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي وفي آخره نون: وهو الحوض. وقال ابن قرقول: مثل الحوض الصغير من فخار، ونحوه، وقيل: هو حجر منقور كالحوض، وقال أبو ذر: كالقدر يسخن فيه الماء، وهو فارسي معرب، ولذلك لا يصرف. وفي (المحكم): هو شيء يتخذ من الضفر للماء، له جوف. وفي كتاب (لغة المنصوري) لابن الحشا، ومن خطه: أبزن، ضبطه، بالكسر، قال: وهو مستنقع يكون أكثر ذلك في الحمام، وقد يكون في غيره، ويتخذ من صفر ومن خشب. وقال صاحب (التلويح): الذي قرأته على جماعة من فضلاء الأطباء، وعد جماعة: أبزن، بضم الهمزة. قوله: (اتقحم فيه)، أي: أدخل، ومادته: قاف وحاء مهملة وميم. قوله: (وأنا صائم) جملة حالية، وهذا التعليق وصله قاسم بن ثابت في (غريب الحديث) له، من طريق عيسى بن طهمان: سمعت أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، يقول: إن لي إبزن إذا وجدت الحر تقحمت فيه وأنا صائم.
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك وهو صائم مطابقته للترجمة من حيث إنه يحصل به تطهير الفم، كما ورد في الحديث: (السواك مطهرة للفم) كما يحصل الطهير للبدن بالاغتسال، فمن هذه الحيثية تحصل المطابقة بين الترجمة وبين الحديث الذي ذكره بصيغة التمريض. فإن قلت: في استنان الصائم إزالة الخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك؟ قلت: إنما مدح النبي صلى الله عليه وسلم الخلوف نهيا للناس عن تعزز مكالمة الصائمين بسبب الخلوف، لا نهيا للصوام عن السواك، والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه، فعلمنا يقينا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة، وإنما أراد نهي الناس عن كراهتها، وروى الترمذي: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، ثم قال: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن، وأخرجه أبو داود أيضا عن محمد بن الصباح عن شريك وعن مسدد عن يحيى عن سفيان، كلاهما عن عاصم، ولفظه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم)، زاد في رواية: (ما لا أعد ولا أحصي). قال صاحب (الإمام): ومداره على عاصم بن عبيد الله، قال البخاري: منكر الحديث، وقال النووي في (الخلاصة) بعد أن حكى عن الترمذي أنه حسنه: لكن مداره على عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور، فلعله اعتضد. انتهى. وقال المزي: وأحسن ما قيل فيه قول العجلي: لا بأس به، وقول ابن عدي: هو مع ضعفه يكتب حديثه. وقال البيهقي، بعد تخريجه: عاصم بن عبيد الله ليس بالقوي.
ولما روى الترمذي حديث عامر بن ربيعة قال: وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها قلت: حديث عائشة رواه ابن ماجة والبيهقي من رواية أبي إسماعيل المؤدب، واسمه إبراهيم بن سليمان: عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خير خصال الصائم السواك)، ومجالد بن سعيد ضعفه الجمهور، ووثقه النسائي، وروى له مسلم مقرونا بغيره.
قلت: وفي الباب أيضا عن أنس وحبان بن المنذر وخباب بن الأرت وأبي هريرة. فحديث أنس رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي إسحاق الخوارزمي، قاضي خوارزم، قال: سألت عاصما الأحول، فقلت: أيستاك الصائم؟ فقال: نعم، فقلت: برطب السواك ويابسة؟ قال: نعم قلت: أول النهار وآخره؟ قال: نعم. قلت: عمن؟ قال: عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الدارقطني: أبو إسحاق الخوارزمي ضعيف يبلغ عن عاصم الأحول بالمناكير، لا يحتج به. انتهى.
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»