الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
مطابقته للترجمة من حيث إنه يوضح الإطلاق الذي فيها، وكان إطلاقها لأجل الاختلاف في صوم أيام التشريق، فأوضح الخلاف الذي يتضمن هذا الإطلاق بأثر عائشة وبأثرها أيضا وأثر ابن عمر أن الجواز لمن لم يجد الهدي لا مطلقا. فإن قلت: أثر عائشة المذكورة أولا مطلق، والثاني مقيد، فما وجه ذلك؟ قلت: يجوز أن تكون عائشة عدت أيام التشريق من أيام الحج، وخفي عليها ما كان من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام في هذه الأيام، الذي يدل على أنها لا تدخل فيما أباح الله، عز وجل، صومه من ذلك. فإن قلت: كيف يخفي عليها هذا المقدار مع مكانتها في العلم وقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: هذا منها احتهاد، والمجتهد قد يخفى عليه ما لا يخفى على غيره.
ذكر رجاله وهم تسعة: الأول: محمد بن بشار، بالباء الموحدة، وقد تكرر ذكره. الثاني: غندر هو محمد بن جعفر. الثالث: شعبة بن الحجاج. الرابع: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ابن أخي محمد بن أبي ليلى الفقيه المشهور، وكان عبد الله أسن من عمه محمد، وكان يقال: إنه أفضل من عمه. الخامس: محمد بن مسلم الزهري. السادس: عروة بن الزبير بن العوام. السابع: عائشة أم المؤمنين. الثامن: سالم بن عبد الله بن عمر. التاسع: أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: السماع. وفيه: أن عبد الله بن عيسى ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في أحاديث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، من روايته عن جده عبد الرحمن عن كعب ابن عجرة. وفيه: شعبة: سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري، وفي رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل: عن شعبة عن عبد الله بن عيسى سمعت الزهري. وفيه: وعن سالم هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول.
ذكر معناه: قوله: (قالا) أي: عائشة وعبد الله بن عمر. قوله: (لم يرخص)، بضم الياء على صيغة المجهول، كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة. وقوله: (يصمن)، على صيغة المجهول للجمع المؤنث أي: يصام فيهن، فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى الضمير. وقال بعضهم: ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني والطحاوي: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق). قلت: هذا لفظ الدارقطني، ولفظ الطحاوي، ليس كذلك، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم، قال: حدثنا يحيى بن سلام، قال: حدثنا شعبة عن ابن أبي ليلى عن الزهري (عن سالم عن أبيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال في المتمتع: إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر، أنه يصوم أيام التشريق). وذكر الطحاوي هذا في معرض الاحتجاج لمالك والشافعي وأحمد، فإنهم قالوا: للمتمتع، إذا لم يصم في أيام العشر لعدم الهدي، يجوز له أن يصوم في أيام التشريق، وكذا القارن والمحصر، ثم احتج لأبي حنيفة وأصحابه بحديث علي، رضي الله تعالى عنه، قال: (خرج منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أيام التشريق، فقال: إن هذه الأيام أيام أكل وشرب). وأخرجه بإسناد حسن. وأخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي والطبراني والبيهقي بأطول منه. وفيه: (إن هذه الأيام أيام أكل وشرب). وأخرج أيضا من حديث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده، قال: (أمرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أنادي أيام منى: إنها أيام أكل وشرب، فلا صوم فيها). يعني أيام التشريق، وأخرجه أحمد في (مسند)، وأخرجه أيضا من حديث عطاء (عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أيام أكل وشرب). وأخرج أيضا من حديث سعيد بن أبي كثير: أن جعفر بن المطلب أخبره (أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على عمرو بن العاص فدعاه إلى الغداء، فقال: إني صائم، ثم الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك، فقالا: لا إلا أن تكون سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فإني سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم) يعني: النهي عن الصيام أيام التشريق.
وأخرج أيضا من حديث سليمان بن يسار (عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق: إنها أيام أكل وشرب). وإسناده صحيح. وأخرجه الطبراني. وأخرج أيضا من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله