عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١١٦
ابن أبي ليلى، وهو ثقة عند الكل. قلت: ذكر الطحاوي ابن أبي ليلى بفساد حفظه وضعه يدل على أنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، إذ لو كان هو عبد الله بن عيسى لما ذكره هكذا، على أنا نقول: قد قال ابن المديني: عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى عندي منكر، وكان يتشيع، وأيضا فالحديث الذي فيه عبد الله بن عيسى ليس بمرفوع، بخلاف الحديث الذي ذكره الطحاوي وقد اختلفوا في قول الصحابي: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، هل له حكم الرفع؟ على أقوال: ثالثها إن أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع، وإلا فلا. واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به، رخص لنا في كذا، أو عزم علينا أن لا نفعل كذا. فالكل في الحكم سواء، وقد حصل الجواب عن أثر عائشة وابن عمر عند ذكره عن عبد الله بن عيسى.
9991 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (صام أيام منى)، لأنه يوضح إطلاق الترجمة كما ذكرنا في الحديث السابق. قوله: (الصيام) أي: الصيام الذي يفعل للمتمتع بالعمرة إلى الحج ينتهي إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديا، وفي رواية الحموي: (فمن لم يجد)، وكذا هو في (الموطأ). قوله: (صام أيام منى) وهي أيام التشريق، فهذا والذي قبله من الحديثين يدل على جواز الصوم للمتمتع الذي لا يجد الهدي في أيام التشريق، وإليه مال البخاري، وعن هذا قال بعضهم: ويترجح الجواز. قلت: كيف يترجح الجواز مع رواية جماعة من الصحابة ما يناهز ثلاثين صحابيا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في أيام التشريق؟ ومع هذا فالبخاري ما روى في هذا الباب إلا ثلاثة من الآثار موقوفة.
وعن ابن شهاب عن عروة عن عائشة مثله أي: وروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مثله، أي: مثل ما روى ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر.
تابعه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب يعني: تابع مالكا إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن في روايته عن ابن شهاب الزهري، ووصله الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة (عن عائشة، في المتمتع: إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى وعن سالم عن أبيه مثله، ووصله الطحاوي من وجه آخر عن ابن شهاب عن عروة (عن عائشة، وعن سالم عن أبيه: أنهما كان يرخصان للمتمتع إذا لم يجد هديا، ولم يكن صام قبل عرفة، أن يصوم أيام التشريق). وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث الزهري عن عروة عن عائشة، وعن سالم عن ابن عمر نحوه، والله أعلم.
96 ((باب صيام يوم عاشوراء)) أي: هذا باب في بيان حكم صوم يوم عاشوراء، والكلام فيه على أنواع.
الأول: في بيان اشتقاق عاشوراء ووزنه: فاشتقاقه من العشر الذي هو اسم للعدد المعين، وقال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة، لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل: يوم عاشوراء فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليها الإسمية، فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة، وقيل: هو مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل: تقول العرب: وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع، وذلك لأنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد، فإذا قامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالثة، قالوا: وردت ربعا وإن رعت ثلاثا، وفي الرابع وردت خمسا، لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده، وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء. وأما وزنه: ففاعولاء،
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»