عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٤١
عشر طريقا كلها في بيان حجة من قال: لا يجب على من بعث بهدي أن يتجرد عن ثيابه ولا يترك شيء مما يتركه المحرم إلا بدخوله في الإحرام، إما بحج وإما بعمرة، وقد مضى الكلام فيه مستقصى في: باب من أشعر وقلد بذي الحليفة، وقد ذكرنا أنهم ردوا قول ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، فيما ذهب إليه من قوله: (إن من بعث بهديه إلى مكة وأقام هو، فإنه يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى ينحر هديه). وقال ابن التين: خالف ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، في هذا جميع الفقهاء، واحتجت عائشة بفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه، ولعل ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، رجع عنه. انتهى قلت: ابن عباس لم ينفرد بذلك، بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم. منهم: ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر، كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي. ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة، أخرج سعيد بن منصور من طريق سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك. وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر، وعلي رضي الله تعالى عنهما، أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته: إنه يمسك عما يمسك عنه المحرم، وهذا منقطع. وقال الكرماني: فإن قلت: ما وجه رد عائشة على ابن عباس؟ قلت: حاصله أن ابن عباس قال ذلك قياسا للتوكيل في أمر الهدي على المباشرة له، فقالت له عائشة: لا اعتبار للقياس في مقابلة السنة الظاهرة. انتهى. قلت: لا نسلم أن ابن عباس قال ذلك، قياسا، بل الظاهر أنه إنما قاله لقيام دليل من السنة عنده، ولم يقل ابن عباس هذا وحده، كما ذكرناه الآن، ألا يرى أن جماعة من التابعين وهم: الشعبي والنخعي والحسن البصري ومحمد بن سيرين ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وافقوا ابن عباس فيما ذهب إليه من ذلك؟ واحتج لهم الطحاوي في ذلك من حديث جابر بن عبد الله، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فقد قميصه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي، وكان بعث ببدنة وأقام بالمدينة، وإسناده حسن، وأخرجه أبو عمر أيضا.
وفي هذا الحديث من الفوائد: تناول الكبير الشيء بنفسه، وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به، ولا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة. وفيه: رد بعض العلماء على بعض. وفيه: رد الاجتهاد بالنص. وفيه: أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التأسي حتى تثبت الخصوصية.
011 ((باب تقليد الغنم)) أي: هذا باب في بيان تقليد الغنم.
1071 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أهدي النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنما.
.
مطابقته للترجمة من حيث إن من لوازم الهدي التقليد شرعا، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والأعمش سليمان، وإبراهيم النخعي والأسود ابن يزيد.
وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب. وأخرجه أبو داود فيه عن هناد عن وكيع. وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن ابن بشار وعن إسماعيل بن مسعود. وأخرجه ابن ماجة فيه عن ابن أبي شيبة وعن علي بن محمد. واحتج الشافعي بهذا الحديث على أن الغنم تقلد، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وابن حبيب، وقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد لأنها تضعف عن التقليد. وقال أبو عمر: احتج من لم يره بأن الشارع إنما حج حجة واحدة لم يهد فيها غنما، وأنكروا حديث الأسود الذي في البخاري في تقليد الغنم، قالوا هو حديث لا يعرفه أهل بيت عائشة. وقال بعضهم: ما أدري ما وجه الحجة منه، لأن حديث الباب دل على أنه أرسلها وأقام، فكان ذلك قبل حجته قطعا، فلا تعارض بين الفعل والترك، لأن مجرد الترك لا يدل على نسخ الجواز، ثم من الذي صرح به من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، بأنه لم يكن في هداياه في حجته غنم حتى يسوغ الاحتجاج بذلك؟ انتهى قلت: الهدي الذي أرسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»