عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٢٢
لقوله صلى الله عليه وسلم (أخرج معها)، يعني إلى الحج، مع كونه قد كتب في الغزو. وفيه: دلالة على اشتراط المحرم في وجوب الحج على المرأة، ثم اختلفوا: هل هو شرط الوجوب أو شرط الأداء؟ وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وفيه: أن النساء كلهن سواء في منع المرأة عن السفر، إلا مع ذي محرم، إلا ما نقل عن أبي الوليد الباجي أنه: خصه بغير العجوز التي لا تشتهى. وقال ابن دقيق العيد: الذي قاله الباجي تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، يعني مراعاة الأمر الأغلب، وتعقب بأن لكل ساقطة لاقطة. فإن قلت: يمكن أن يحتج للباجي فيما قاله بحديث عدي بن حاتم مرفوعا: (يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها) الحديث في البخاري قلت: هذا يدل على جوده لا على جوازه، وأجاب بعضهم عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام، فيحمل على الجواز قلت: هذا إخبار من الشارع بقوة الإسلام وكثرة أهله ووقوع الأمن فلا يستلزم ذلك الجواز. وقال ابن دقيق العيد: هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا، فإن قوله تعالى: * ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 79). عام في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) عام في كل سفر، فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث، فيحتاج إلى الترجيح من خارج، وقد رجح المذهب الثاني بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وفيه نظر لكون النهي عاما في المساجد، فيخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر بحديث النهي. وفيه: ما قاله ابن المنير يؤخذ من قوله: إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، إن ذلك كان في حجة الوداع، فيؤخذ منه أن الحج على التراخي، إذ لو كان على الفور لما تأخر الرجل مع رفقته الذين عينوا في تلك الغزوة، ورد بأنه ليس بلازم لاحتمال أن يكونوا قد حجوا قبل ذلك مع من حج في سنة تسع مع أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه. وفيه: ما أخذه بعضهم بظاهر قوله: (أخرج معها) وجوب السفر على الزوج مع امرأته إذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض، فلو امتنع إلا بأجرة لزمها، لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤونة. وفيه: تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، فإن الرجل لما عرض له الغزو والحج رجح الحج، لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها، بخلاف الغزو. وفيه: ما استدل به بعضهم على أنه ليس للزوج منع امرأته من الحج الفرض، وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي. فإن قلت: روى الدارقطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج: ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها قلت: هو محمول على حج التطوع، عملا بالحديثين، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما كان واجبا.
3681 حدثنا عبدان قال أخبرنا يزيد بن زريع قال أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج قالت أبو فلان تعني زوجها كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضا لنا قال فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي.
(انظر الحديث 2871).
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ما منعك من الحج؟) فإنه يدل على أن للنساء أن يحججن، والترجمة في حج النساء، والحديث قد مضى في أوائل باب العمرة في: باب عمرة في رمضان، فإنه أخرجه هناك: عن مسدد عن يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس... إلى آخره، وهنا أخرجه: عن عبدان، وهو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد المروزي عن يزيد بن زريع مصغر الزرع أبي الحارث عن حبيب ضد العدو المعلم، بلفظ الفاعل من التعليم، وهو ابن أبي قريبة، بضم القاف وفتح الباء الموحدة: واسمه زيد، وقيل: زائدة، وهو غير حبيب بن أبي عمرة المذكور في ثاني أحاديث الباب.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»