وقال الكرماني، ما: موصولة منصوب على الاختصاص، أو مرفوع بأنه صفة له أو خبر بعد خبر. قوله: (ولقد سمعت رجالا) القائل بهذا هو أبو بكر بن عبد الرحمن المذكور. قوله: (إلا من ذكرت عائشة)، هذا الاستثناء معترض بين اسم: إن، وخبرها واسم: إن، هو قوله: (الناس) في قوله: إن الناس، وخبرها هو قوله: (ممن كان يهل بمناة)، ولفط مسلم: (ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية). وقال آخرون من الإنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * (البقرة: 851). قال أبو بكر بن عبد الرحمن، فأراها قد أنزلت في هؤلاء وهؤلاء. فإن قلت: ما وجه هذا الاستثناء؟ قلت: وجهه أنه أشار به إلى أن الرجال من أهل العلم الذين أخبروا أبا بكر بن عبد الرحمن أطلقوا ولم يخصوا بطائفة، وأن عائشة، رضي الله تعالى عنها، خصت الأنصار بذلك، كما رواه الزهري عن عروة عنها، وهو في صدر الحديث، وهو قولها: ولكنها نزلت في الأنصار. قوله: (أن يطوف بالصفا)، بتشديد الطاء، وأصله: أن يتطوف، فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجهما، ثم أدغمت الطاء في الطاء. قوله: (فاسمع هذه الآية) وهي قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) وقوله: (فأسمع)، بفتح الهمزة وضم العين على صيغة المتكلم من المضارع، وهكذا هو في أكثر الروايات، وضبطه الدمياطي في نسخته بدرج الهمزة وسكون العين على صيغة الأمر، فرواية مسلم: فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء، كما ذكرناه الآن تدل على أن رواية العامة أصوب. قوله: (في الفريقين)، وهما من الأنصار وقوم من العرب كما صرح به مسلم على ما ذكرناه. قوله: (كليهما)، يعني: كلا الفريقين، ويروى: كلاهما، قال الكرماني: هو على مذهب من يجعل المثنى في الأحوال كلها بالألف، ثم قال: والفريق الأول: هم الأنصار الذين يتحرجون احترازا من الصنمين، والثاني: هم غيرهم الذين يتحرجون بعدما كانوا يطوفون لعدم ذكر الله له. قوله: (حتى ذكر ذلك) ، أي: الطواف بينهما بعد ذكر الطواف بالبيت، وذكر الطواف بالبيت هو قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (الحج: 92). وذكر الطواف بين الصفا والمروة هو قوله: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * (الحج: 92). بعد قوله: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (الحج: 92). ووقع في رواية المستملي وغيره، حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت، قال بعضهم: وفي توجيهه عسر قلت: لا عسر فيه، فهذا لكرماني وجهه فقال: لفظ ما ذكره يدل عن ذلك، أو أن: ما، مصدرية والكاف مقدر كما في: زيد أسد، أي: ذكر السعي بعد ذكر الطواف كذكر الطواف واضحا جليا ومشروعا مأمورا به.
ذكر ما يستفاد منه: احتجت به الحنفية على أن السعي بين الصفا والمروة واجب، لأن قول عائشة، رضي الله تعالى عنهما، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، يدل على الوجوب، ورفع الجناح في الآية والتخيير ينفي الفرضية، لا سيما من مذهب عائشة، فيما حكاه الخطابي أن السعي بينهما تطوع، وما ذهب إليه الحنفية هو مذهب الحسن وقتادة والثوري، حتى يجب بتركه دم، وعن عطاء: سنة لا شيء فيه، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود: هو فرض لا يصح الحج إلا به، ومن بقي عليه شيء منه يرجع إليه من بلده، فإن كان وطئ النساء قبل أن يرجع كان عليه إتمام حجه أو عمرته، ويحج من قابل، ويهدي.. كذا حكاه ابن بطال عنهم، ونقل المروزي عن أحمد: أنه مستحب، واختار القاضي وجوبه وانجباره بالدم، وقال ابن قدامة: وهو أقرب إلى الحق، وعن طاووس: من ترك منه أربعة أشواط لزمه دم، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع، وليس هو بركن. وذكر ابن القصار عن القاضي إسماعيل أنه ذكر عن مالك فيمن تركه حتى تباعد، وأصاب النساء أنه يجزيه ويهدي، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى في (شرحه للترمذي): اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج على ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه ركن لا يصح الحج إلا به. وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر، وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه، وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبي ثور لقوله صلى الله عليه وسلم: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجرأة بإسناد حسن، وقال عبد العظيم: إنه حديث حسن قلت: قال ابن حزم في (المحلى): إن حبيبة بنت أبي تجرأة مجهولة، وقال شيخنا: هو مردود لأنها صحابية، وكذلك صفية بنت شيبة صحابية، والقول الثاني: إنه واجب يجبر بدم، وقال الثوري وأبو حنيفة ومالك في (العتبية) كما حكاه ابن العربي. والقول الثالث: إنه ليس بركن ولا واجب، بل هو سنة ومستحب، وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية، ومن