عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٧٧
ذكر ما يستفاد منه فيه: دليل على أن الظاهر أن أفعاله فيما يتصل بأمور الشريعة على الوجوب، فتركه الفعل شفقة أن يتخذ سنة، قاله الخطابي. وفيه: الشرب من سقاية الحاج، وقال طاووس: الشرب من سقاية العباس من تمام الحج، وقال عطاء: لقد أدركت هذا الشراب، وأن الرجل ليشرب فتلتزق شفتاه من حلاوته، فلما ذهبت الحرية وولى العبيد تهاونوا بالشراب واستخفوا به، وروى ابن أبي شيبة عن السائب بن عبد الله أنه أمر مجاهدا مولاه بأن يشرب من سقاية العباس ويقول: إنه من تمام السنة. وقال الربيع بن سعد: أتى أبو جعفر السقاية فشرب وأعطى جعفرا فضله، وممن شرب منها: سعيد بن جبير وأمر به سويد بن غفلة: وروى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر لم يكن يشرب من النبيذ في الحج، وكذا روى خالد ابن أبي بكر أنه حج مع سالم ما لا يحصى، فلم يره يشرب من نبيذ السقاية. وفيه: إثبات أمر السقاية للحاج، وأن مشروعيته من باب إكرام الضيف واصطناع المعروف. وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحرم عليه الصدقات التي سبيلها المعروف كالمياه التي تكون في السقايات تشربها المارة. وقال ابن التين: شربه صلى الله عليه وسلم لا يخلو أن يكون ذلك من مال الكعبة الذي كان يؤخذ لها من الخمس، أو من مال العباس الذي عمله للغني والفقير، فشرب منه صلى الله عليه وسلم ليسهل على الناس. وفيه: أنه لا يكره طلب السقي من الغير. وفيه: رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه، لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من بيته لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس. وفيه: الترغيب في سقي الماء خصوصا ماء زمزم. وفيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: حرص أصحابه صلى الله عليه وسلم على الاقتداء به. وفيه: كراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات. وفيه: أن الأصل في الأشياء الطهارة لتناوله، صلى الله عليه وسلم، من الشراب الذي غمست فيه الأيدي، قاله ابن التين، والله أعلم بحقيقة الحال.
((باب ما جاء في زمزم)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في ذكر زمزم من الآثار. قيل: ولم يذكر ما جاء فيه من فضله، لأنه كان لم يثبت عنده بشرطه، واكتفى بذكره مجردا. قلت: لا نسلم ذلك، فإن حديث الباب يدل على فضلها، لأن فيه: (ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم)، وهذا يدل قطعا على فضلها حيث اختص غسل صدره، عليه الصلاة والسلام، بمائها دون غيرها، وذلك لأنها ركضة جبريل، عليه الصلاة والسلام، وسقيا إسماعيل صلى الله عليه وسلم وفي (معجم ما استعجم): هي بفتح الأول وسكون الثاني وفتح الزاي الثانية، قال: ويقال بضم الأول وفتح الثاني وكسر الزاي الثانية، ويقال بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية. وفي (كتاب الأزهري) عن ابن الأعرابي: زمزم وزمم وزمزام، وتسمى: ركضة جبريل، عليه السلام، وهمزمة جبريل، وهزمة جبريل، بتقديم الزاي، وهزمة الملك، وتسمى: الشباعة. قال الزمخشري: ورواه الخازرنجي: شباعة، وقال صاعد في (الفصوص) ومن أسمائها: تكتم، وقال الكلبي: إنما سميت زمزم لأن بابل بن ساسان حيث سار إلى اليمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة في موضع بئر زمزم، فلما احتفرها عبد المطلب أصاب السيوف والحلي فيه سميت زمزم. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، ولو تركت لساحت على وجه الأرض حتى ملأ كل شيء. وقال الحربي: سميت بزمزمة الماء، وهو حركته، وقال أبو عبيد: قال بعضهم: إنها مشتقة من قولهم: ماء زمزوم وزمزام أي: كثير. وفي (الموعب): ماء زمزم وزمازم، وهو الكثير وعن ابن هشام: الزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع، وذكر المسعودي أن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول، والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها.
ومن فضائلها: ما رواه مسلم: شرب أبو ذر منها ثلاثين يوما وليس له طعام غيرها. وأنه سمن، فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فقال: إنها مباركة، إنها طعام طعم وزاد أبو داود الطيالسي في (مسنده) وشفاء سقم، وروى الحاكم في (المستدرك) من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، مرفوعا: (ماء زمزم لما شرب له)، رجاله ثقات إلا أنه اختلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح. وعن أم أيمن، قالت: (ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شكى جوعا قط ولا عطشا، كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربه، فربما عرضنا عليه الطعام فيقول: لا أنا شبعان شبعان). ذكره في (المصنف الكبير) في شرف المصطفى، صلى الله عليه وسلم. وعن عقيل ابن أبي طالب، قال: كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام قال لنا أبي ائتوا زمزم فنأتيها فنشرب منها فنجتزىء، وروى الدارقطني من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: (وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل)، وذكر الزمخشري في (ربيع الأبرار) أن جبريل، عليه السلام، أنبط بئر زمزم مرتين: مرة لآدم، عليه السلام، حتى انقطعت زمن الطوفان، ومرة لإسماعيل عليه السلام، وروى ابن ماجة بإسناد جيد: (أن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، قال لرجل: إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة، واذكر اسم الله، عز وجل، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم). وروى الدارقطني أن عبد الله كان إذا شرب منها، قال: اللهم إني أسأك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. وروى أحمد بإسناد جيد من حديث جابر في ذكر حجته، عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن... الحديث.
6361 وقال عبدان أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري قال أنس بن مالك كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح قال من هاذا قال جبريل.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (ثم غسله بماء زمزم)، فإن ذكر زمزم جاء في الحديث وهو يدل على فضل زمزم حيث اختص غسله
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 277 278 279 280 281 282 ... » »»