عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٨٦
عنها فقلت لها أرأيت قول الله تعالى * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * (البقرة: 851). فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة قالت بئس ما قلت يا ابن أختي إن هاذه لو كانت كما أولتها عليه أن لا يتطوف بهما ولاكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذالك قالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمان فقال إن هاذا لعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية قال أبو بكر فأسمع هاذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذالك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو اليمان الحكم بن نافع، والزهري هو محمد بن مسلم، وأخرجه النسائي في الحج وفي التفسير.
ذكر معناه: قوله: (أرأيت؟) أخبريني عن مفهوم هذه الآية، إذ مفهومها عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة إذ فيه عدم الإثم على الترك، فقالت عائشة، رضي الله تعالى عنها: مفهومها ليس ذلك، بل عدم الإثم على الفعل، ولو كان على الترك لقيل: أن لا يطوف، بزيادة: لا، والتحقيق هنا أن عروة، رضي الله تعالى عنه، أول الآية بأن لا شيء عليه في تركه، لأن هذا اللفظ أكثر ما يستعمل في المباح دون الواجب، وأن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أجابت بأن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، لأنها ليست بنص في سقوط الواجب، ولو كانت نصا لكان يقول: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف، ولم يكن ذلك إلا بسبب الأنصار، وقد يكون الفعل واجبا، ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفه، وهذا كمن عليه صلاة ظهر، فظن أن لا يسوغ له إيقاعها بعد المغرب، فسأل فقيل: لا حرج عليك إن صليت، فيكون الجواب صحيحا، ولا يقتضي نفي وجوب الظهر عليه، وقد وقع في القراءة الشاذة، فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، كما قالت عائشة، رضي الله تعالى عنها، حكاه الطبري وابن أبي داود في المصاحف، وابن المنذر وغيرهم عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، وأجاب الطبري: أنها محمولة على القراءة المشهورة، وكلمة: لا، زائدة، وكذا قال الطحاوي: وقيل: لا حجة في الشواذ إذا خالفت المشهورة، وقال الطحاوي أيضا: لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله: * (فمن تطوع خيرا) * (البقرة: 481). لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع، والله أعلم. قوله: (يهلونه) أي: يحجونه. قوله: (لمناة)، بفتح الميم
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»