عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٩٠
شهران وبعض الثالث، ووجهه أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد، بدليل قوله تعالى: * (فقد صغت قلوبكما) * (التحريم: 4). ولو قال: الحج ثلاثة أشهر كان يتوجه السؤال وقيل: نزل بعض الشهر منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا، أو على عهد فلان، ولعل العهد عشرون سنة أو أكثر، وإنما رآه في ساعة منها. قوله: (معلومات) يعني: معروفات عند الناس لا تشكل عليهم. قال الزمخشري: وفيه: أن الشرع لم يأت على خلاف ما عرفوه، وإنما جاء مقررا له. قوله: * (فمن فرض فيهن الحج) * (البقرة: 791). أي: فمن ألزم نفسه بالتلبية أو بتقليد الهدي وسوقه. وقوله: * (فلا رفث) * هو جواب: من، الشرطية.، وقال القتبي: الفرض هو وجوب الشيء، يقال: فرضت عليكم أي أوجبت. قال الله تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (البقرة: 732). فمن: أهل فيهن بالحج. قوله: (فلا رفث)، نفي، ومعناه النهي أي: فلا ترفثوا، وقرأ ابن كثير وأبو عمر * (فلا رفث ولا فسوق) * (البقرة: 791). أي ألزمتم أنفسكم وقال ابن عباس الفرض التلبية وقال الضحاك هو الإحرام قال عطاء فمن فرض فيهن بالرفع مع التنوين، وقرأ الباقون بالنصب بغير تنوين، واتفقوا في قوله: * (ولا جدال) * بالنصب غير أبي جعفر المدني فإنه قرأه بالرفع، وهذا يقال له: لا، التبرئة ففي كل موضع يدخل فيه: لا، التبرئة فصاحبه بالخيار، إن شاء نصبه بغير تنوين، وإن شاء ضمه بالتنوين، وقال الزمخشري: والمراد بالنفي وجوب انتفائها وأنها حقيقة بأن لا تكون، وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب والرفع، وقرأ أبو عمرو وابن كثير، رضي الله تعالى عنهما، الأولين بالرفع والآخر بالنصب، لأنهما حملا الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قال: ولا شك ولا خلاف في الحج.
النوع الثاني: في معناها: قوله: (الحج) في اللغة: القصد، من حججت الشيء أحجه حجا: إذا قصدته. وقال الأزهري: وأصل الحج من قولك: حججت فلانا أحجه حجا إذا عدت إليه مرة بعد أخرى، فقيل: حج البيت، لأن الناس يأتونه كل سنة، والحج في اصطلاح الشرع: قصد إلى زيارة البيت الحرام على وجه التعظيم بأفعال مخصوصة. قوله: (أشهر) جمع شهر، جمع قلة، لأنه على وزن: أفعل، بضم العين، والشهر عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، واشتقاقه من الشهرة، والهلال أول ليلة من الشهر والثانية والثالثة، ثم هو قمر بعد ذلك إلى آخر الشهر، وفي الليلة الرابعة عشر يقال له: بدر، لتمامه. وقال الجوهري: إنما سمي بدرا لمبادرته الشمس بالطلوع. وقال الفراء: هو في أول ليلة هلال، ثم قمير ثم قمر ثم بدر. قوله: * (فلا رفث) *: الرفث الجماع، كما في قوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * (البقرة: 781). وهو حرام على المحرم، وكذلك دواعيه من المباشرة والتقبيل. ونحو ذلك، وكذا التكلم بحضرة النساء، وقال ابن جرير: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنه، كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك بين الرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم. وقال ابن وهب: وحدثني أبو صخر عن محمد بن كعب مثله، وقال عبد الله بن طاووس عن أبيه: سألت ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، عن قوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * (البقرة: 791). قال: الرفث التعرض بذكر الجماع، وهي: العرابة، في كلام العرب، وهو أدنى الرفث. وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش، وكذا قال عمرو بن دينار، وقال: وكانوا يكرهون العرابة، وهو التعريض بذكر الجماع وهو محرم، وقال طاووس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك، وكذا قال أبو العالية، وقال ابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم: الرفث غشيان النساء، وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وأبو العالية ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار وعطية والربيع والزهري والسدي ومالك بن أنس ومقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك والحسن وقتادة والضحاك وآخرون. قوله: (ولا فسوق)، قال مقسم وغير واحد عن ابن عباس: هي المعاصي، وكذا قال عطاء ومجاهد وطاووس وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وقتادة والزهري ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار ومقاتل بن حيان، وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيدا أو غيره، وروى ابن وهب عن يونس عن نافع: أن عبد الله ابن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله تعالى في الحرم. وقال آخرون: الفسوق ههنا السباب، قاله ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومجاهد والسدي وإبراهيم والحسن، وقد تمسك هؤلاء بما في (الصحيحين): (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وروى
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»