عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٩٢
الواحدي: عن معاذ: يا رسول الله إن اليهود تغشانا، ويكثرون مسألتنا، فأنزل الله هذه الآية. وقال النسفي في (تفسيره): نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم ومعاذ بن جبل سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهلال، فنزلت أي: يسألونك عن الأهلة ما لها تبدو صغيرة ثم تصير بدورا ثم تعود كالعرجون؟ وما معنى تغير أحوالها؟ وقال الكلبي: نزلت في معاذ وثعلبة بن غنمة الأنصاريين، قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد ثم ينقص؟ فنزلت، والأهلة: جمع هلال، وهو إذا كان لليلة أو ليلتين، وسمي به لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته. فإن قلت: ما وجه ذكر الحج بالخصوص من بين العبادات؟ قلت: لكونه أهم وأشق، ولهذا ذكره البخاري بعد هذه الآية.
وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة هذا التعليق وصله ابن جرير، وقد ذكرناه عن قريب، ووصله الطبري والدارقطني أيضا من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار، عنه، قال: (الحج أشهر معلومات، شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة). فإن قلت: روى مالك في الموطأ) عن عبد الله بن دينار (عن ابن عمر، قال: من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج فقد استمتع)؟ قلت: لعله تجوز في ذكر ذي الحجة بكماله، وبهذا يجمع بين الروايتين.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج هذا التعليق وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه، قال: (لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج). وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وقال الكرماني: من السنة أي من الشريعة، إذ هو واجب ولا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهره عند الشافعي، وأما عند غيره: فلا يصح شيء من أفعال الحج إلا فيها. قلت: هذا تفسير على مساعدة ما قاله إمامه، ولكن لا يساعده هذا فإن قوله: (من السنة)، لا يدل على الوجوب قطعا، إذ يحتمل أن يكون من السنة التي إذا فعلها كان له أجر، وإذا تركها لا يفسد ما فعله من الإحرام قبل أشهر الحج. وأيضا قوله: وأما عند غيره، فليس بقسيم لما قبله مما قاله الشافعي، لأن قسيمه أن يقال: وأما عند غيره فينعقد الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، والذي ذكره متفق عليه، أفعال الحج أفعال الحج قبل أشهر الحج لا تصح بلا خلاف.
وكره عثمان رضي الله تعالى عنه أن يحرم من خراسان أو كرمان وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن عبد الأعلى عن يونس عن الحسن: أن ابن عامر أحرم من خراسان فعاب عليه وعيره فكرهوه، وروى أحمد بن سيار في (تاريخ مرو): من طريق داود بن أبي هند، قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرما فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لأمه على ما صنع. قلت: عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي العبشمي، ابن خال عثمان ابن عفان، ولد حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغفل في فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستنابه عثمان على البصرة بعد أبي موسى الأشعري وولاه بلاد فارس بعد عثمان بن أبي العاص وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، ففتح خراسان كلها وأطراف فارس وكرمان وسجستان وبلاد غزية، وقتل كسرى في أيامه وهو يزدجرد، مات في سنة ثمانية وخمسين من الهجرة، وأما خراسان فإقليم واسع من الغرب المفازة التي بينها وبين بلاد الجبل وجرجان، ومن الجنوب مفازة واصلة بينها وبين فارس وقومس، ومن الشرق نواحي سجستان وبلاد الهند، ومن الشمال بلاد ما وراء النهر وشئ من تركستان. وخراسان يشتمل على كور كثيرة كل كورة منها نحو إقليم، ولها مدن كثيرة، منها: بلخ في وسط خراسان، خرج منها خلق من الأئمة والعلماء والصالحين لا يحصون. ومنها: جرجان وطالعان وطابران وكشمهين ونسا وهراة، وأما كرمان، فبفتح الكاف وقيل بكسرها، وفي (المشترك): هو صقع كبير بين فارس وسجستان، وحدها يتصل بخراسان، ومن بلادها المشهورة: زرند والسيرجان، وهو أكبر مدن كرمان.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»