عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٤٠
ذكر رجاله: وهم: خمسة، قد ذكروا، ووهيب هو ابن خالد البصري، وابن طاووس هو عبد الله بن طاووس، يروي عن أبيه طاووس اليماني.
أخرجه البخاري أيضا عن معلى بن أسد، ومسلم بن إبراهيم فرقهم، وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه النسائي فيه عن الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وعن يعقوب بن إبراهيم.
ذكر معناه: قوله: (وقت) أي: عين وقت، من التوقيت، وهو التعيين وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وقال عياض: وقت أي حدد، وقد يكون بمعنى: أوجب، ويؤيده الرواية الماضية بلفظ: فرض. قوله: (قرن المنازل)، قد ذكرنا تفسير القرن في: باب فرض مواقيت الحج، وكذلك ذكرنا تفسير ذي الحليفة والجحفة، وهناك ذكر لفظ: القرن، فقط وههنا ذكر بلفظ: قرن المنازل، وهو جمع منزل. قال الكرماني: والمركب الإضافي هو اسم المكان، وقد يقتصر على لفظ المضاف، كما في الحديث المتقدم. قلت: النكتة في ذكره هنا بهذه اللفظة هي أن المكان الذي يسمى القرن موضعان أحدهما في هبوط، وهو الذي يقال له: قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له: قرن الثعالب، والمعروف الأول. وذكر في (أخبار مكة) للفاكهي: أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع. وقيل له: قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وقد وقع ذكره في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه. قال: فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب... الحديث، ذكره ابن إسحاق في (السيرة النبوية). قوله: (ويلملم) بفتح الياء آخر الحروف وباللامين وسكون الميم الأولى، غير منصرف. وقال عياض: ويقال: ألملم، وهو الأصل والياء بدل منه، وهي على ميلين من مكة، وهو جبل من جبال تهامة. وقال ابن حزم: هو جنوب مكة، ومنه إلى مكة ثلاثون ميلا. وفي (المحكم): يلملم وألملم جبل. وقال البكري: أهله كنانة وتنحدر أوديته إلى البحر وهو في طريق اليمن إلى مكة. وهو من كبار جبال تهامة. وقال الزمخشري: هو واد به مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه عسكرت هوازن يوم حنين. فإن قلت: ما وزنه؟ قلت: فعمعل: كصمحمح، وليس هو من: لملمت، لأن ذوات الأربعة لا تلحقها الزيادة في أولها إلا في الأسماء الجارية على أفعالها. نحو: مدحرج. قلت: فعلى هذا الميم الأولى واللام الثانية زائدتان؟ ولهذا قال الجوهري في: باب الميم وفصل الياء: يلم، ثم قال: يلملم لغة في ألملم، وهو ميقات أهل اليمن. وحكى ابن سيدة فيه: يرمرم، براءين بدل اللامين، وقد جمع واحد مواقيت الإحرام بنظم، وهو قوله:
* قرن يلملم ذو الحليفة جحفة * قل: ذات عرق كلها ميقات * * نجد تهامة والمدينة مغرب * شرق وهن إلى الهدى مرقات * قوله: (هن لهن) أي: هذه المواقيت لهذه البلاد، والمراد أهلها. وكان الأصل أن يقال: هن لهم، لأن المراد الأهل، وقد ورد ذلك في بعض الروايات في (الصحيح). وقال القرطبي: هن، ضمير جماعة مؤنث العاقل في الأصل، وقد يعاد على ما لا يعقل، وأكثر ذلك في العشرة فما دونها، فإذا جاوزها قالوه بهاء المؤنث، كما قال الله تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) * (التوبة: 63). ثم قال: * (منها أربعة حرم) * (التوبة: 63). أي: من الاثني عشر، ثم قال: * (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * (التوبة: 63). أي: في هذه الأربعة، وقد قيل: في الجميع، وهو ضعيف شاذ. قوله: (ولمن أتى عليهن)، أي: على هذه المواقيت (من غيرهن) أي: من غير أهلهن، مثلا إذا أتى الشامي إلى ذي الحليفة، يكون مهله ذا الحليفة، وكذا الباقي نحوه. قوله: (ومن كان دون ذلك) يعني من كان بين الميقات ومكة. قوله: (فمن حيث أنشأ)، الفاء جواب الشرط أي: فمهله من حيث قصد الذهاب إلى مكة، يعني يهل من ذلك الموضع. قوله: (حتى أهل مكة من مكة) يعني: إذا قصد المكي الحج فمهله من مكة، وأما إذا قصد العمرة فمهله من الحل لقضية عائشة، رضي الله تعالى عنها، حين أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتحريم منه. فإن قلت: قوله: (حتى أهل مكة من مكة) أعم من أن يكون المكي قاصدا للحج والعمرة، ولهذا ترجم البخاري بقوله: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة. قلت: قضية عائشة، رضي الله تعالى عنها، تخصص هذا! ولكن الظاهر أن البخاري نظر إلى عموم اللفظ حتى ترجم بهذه الترجمة.
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»