فقد أوجب). ورواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم، وفي رواية: (إلا غفر له). وروى الترمذي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت أحد من المسلمين فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة يشفعوا له إلا شفعوا فيه). ورواه أيضا مسلم والنسائي. وروى ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له) وروى النسائي من حديث أبي المليح: حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه، فسألت أبا المليح عن الأمة قال: أربعون). وروى مسلم وأبو داود وابن ماجة من رواية شريك بن عبد الله عن كريب، قال: مات ابن لابن عباس بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب أنظر ما اجتمعوا له من الناس؟ فخرجت فإذا الناس قد اجتمعوا له، فأخبرته فقال: أتقول وهم أربعون؟ قلت: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه). فإن قلت: كيف الجمع بين هذه الأحاديث؟ قلت: قال القاضي عياض: إن هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا عن ذلك، فأجاب كل واحد عن سؤاله، وقال النووي: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به. ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم ثلاثة صفوف. وإن قل عددهم فأخبريه ويحتمل أن يقال: هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين، فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك، وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف.
قوله: (فكبر أربعا)، يدل على أن تكبيرات الجنازة أربع، وبه احتج جماهير العلماء منهم: محمد بن الحنفية وعطاء ابن أبي رباح ومحمد بن سيرين والنخعي وسويد بن غفلة والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. ويحكى ذلك عن: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت وجابر وابن أبي أوفى والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبي هريرة وعقبة ابن عامر، رضي الله تعالى عنهم، وذهب قوم إلى أن التكبير على الجنائز خمس، منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى وعيسى مولى حذيفة وأصحاب معاذ بن جبل وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة وهو مذهب الشيعة والظاهرية. وقال الحازمي: وممن رأى التكبير على الجنائز خمسا ابن مسعود وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان. وقالت فرقة: يكبر سبعا، روي ذلك عن زر بن حبيش، وقالت فرقة: يكبر ثلاثا، روي ذلك عن أنس وجابر بن زيد، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس، وقال ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا ابن فضيل عن يزيد عن عبد الله بن الحارث قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر عليه تسعا، ثم جيء بأخرى فكبر عليها سبعا ثم جيء بأخرى فكبر عليها خمسا، حتى فرغ منهن، غير أنهن وترا). وقال ابن قدامة: لا يختلف المذهب أنه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات، ولا النقص من أربع، والأولى أربع لا يزاد عليها. واختلفت الرواية فيما بين ذلك، فظاهر كلام الخرقي أن الإمام إذا كبر خمسا تابعه المأموم ولا يتابعه في زيادة عليها، ورواه الأثرم عن أحمد، وروى حرب عن أحمد: إذا كبر خمسا لا يكبر معه ولا يسلم إلا مع الإمام، وممن لا يرى متابعة الإمام في زيادة على أربع: الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي: واختاره ابن عقيل: واحتج الذين ذهبوا إلى أن التكبير على الجنازة خمس بحديث زيد بن أرقم، أخرجه مسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وأنه كبر على جنازة خمسا، فسألته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها. وأخرجه الأربعة أيضا. والطحاوي، وبحديث حذيفة بن اليمان أخرجه الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن يحيى بن عبد الله التميمي، قال: صليت مع عيسى مولى حذيفة بن اليمان على جنازة فكبر عليها خمسا، ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت، ولكني كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي، يعني حذيفة بن اليمان، صلى على جنازة فكبر عليها خمسا، ثم التفت إلينا فقال: ما وهمت ولا نسيت ولكني كبرت كما كبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبحديث عمرو بن عوف، أخرجه ابن ماجة من رواية كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر خمسا، واسم جده عمرو ابن عوف المزني.
والجواب عن الأحديث التي فيها التكبير على الجنازة بأكثر من أربع: أنها منسوخة، وقال الطحاوي بإسناده عن إبراهيم، قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مختلفون في التكبير على الجنازة، لا تشاء أن تسمع رجلا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر سبعا، وآخر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر خمسا، وآخر يقول: سمعت رسول الله،